مقالات متنوعة

الانسان والعقل الجزء الثاني

الانسان والعقلحقاً أن للدماغ دوراً هاماً بالنسبة للجسم، إذ فيه تتفرق قوى العقل فينفق قواه على الــجســم، كما أن للجسم كله دورا هاما بالنسبة للدماغ، وإذ منه ينفق قواه الدموية ولكن العـقــل شامــل للجسم بواسطة الحواس وشامل للدماغ ليؤدي دوره تجاه الحواس. والعقــل بأكــمــلــه خارج الدماغ ليس فيه قوى متفرقة، بل فيه مراتب لكل قوة كامنة فيه، وفيه مواطن لكل معـرفــة، ولا يمكن استغلال قوته الكامنة إلا إذا توفرت للإنسان شروط فوق التي هي متوفـرة لــديــه، ولإجبار العقل على الإدراك الكلي للأشياء لابد من إرغامه بواسطة الجسم الذي هـو مــفــتاح قـوة العقل على أخذ قوة كبيرة من الجسم ترغم العقل على الحركة الكاملة لــه.

ومــن أجــــل ذلــك عرف الكثير أن تعذيب الجسم بطرق شتى غير مؤذية للجسم ، يمكن للعقل أن يعــطــي للجســم نسبة أخرى من قواه الراكدة، فيتمكن للإنسان أن يستغل قوى الطبيعــة ومــعــرفـــة أسرارها، والجسم بهذه الطريقة يتطور فعلا إذ يتمكن من تقوية عضلاته، ويأخــذ الـجــســم صلابة غير معهود بها، وهذا ما كان الاخوة البناؤن القدماء يستخدمونه في رسائلهم من امتحانات لذاتهم للارتقاء بانفسهم وبالتالي بعقلهم ليحصل المراد والحواس هي أساس الشعور في الحالتين ثم العقل هو دليل الشعور.

 قوة العقل:

وهناك نقط في الجسد كثيرة يمكن بها توجيه قوة العقل إلى اتجاهات مختلفة هي فيه، ويمكن بها الصعود بقوة العقل إلى الفوق متصلا بقوة الطبيعة ن العقل يسكن الطبيعة كما يــســكــنها الإنسان، إلا أن العقل يسكنها في قوتها الثانية وهي القوة الباطنية للأشــياء، فالــطــبــيــعــة عالمان، عالم ظاهري وعالم باطني، فلا يمكن للجسد بحواسه أن يعرف الــعالـم الباطني إلا بقوة العقل ، كما لا يمكن للعقل أن يعرف العالم الظاهري إلا بالجسد وقوته بالحواس، وإنـما الحواس والعقل شيئان مختلفان يجمع بينهما الجسد، وكل قوة تسكن في محل مـعــيــن لــها، فالعقل يسكن بقوته في الدماغ، والشم يسكن في الأنف، والسمع في الأذن، والـبــصــر فــي العين، والذوق في الفم، واللمس في القوة الكامنة في الجلد وداخل الجسم كــلــه. ويــمــكــن تطوير الحواس الخمس بالعمل على إفراز الحاسة السادسة التي منبعها من العقل مــباشــرة، وبها يتم الاتصال مع الحواس الخمس والعقل والجسم، والحاسة السادسة هي مـوجــودة فــي الإنسان كله، إلا أنه لا يشعر الإنسان بها عندما تكون في قوة منخفضة في درجاتها، ويحس بها عند ارتفاع قوتها بقوة الحد.

إن التسجيل في العقل يتم بواسطة الحواس وحدها، والأفكار كذلك إن لم تأخـذ صــبغــتــها صوريا أو إحساسيا لا تسجل في العقل، وكل مالا  يحفظه الإنسان مما يريد حفظه، أصــلـه راجع على عدم تمكنه من إعطاء صورة ما لما يسعَى إلى حفظه، وإن توفر لمشهد ما، قـوة الخوف والفزع تتجمع الحواس كلها فيتم التسجيل في العقل بوسيلة واضحة يذكرهـا الإنــسان دائما وبسرعة، والعقل لا يسجل فيه شيء في حد ذاته بل كل ما يسجله يحتفظ به فـي خــلايا الدماغ كما يضع النحل العسل في خلايا خليته.

قوة التركيز:

أما قوة التركيز فأساسها تجمع الحواس كلها عند غرض معين يختاره الإنسان فــيــنــسى ما وراء الغرض المعين ، ولأجل ذلك لابد من مجهود كبير لتحقيق التركيز، والتركــيــز فــيــه درجات كثيرة، منها تركيز شعوري وآخر لاشعوري، كما يكون التركيز بطريقة صـوريــة أو بطرقة فكرية أو كلاهما معاً. والجسم ينفعل كثيراً عند الذين يحاولون معرفة قوى التركيز  وتقوى الحــواس الــخــمــس ويزيد هذا في قوة الشعور كثيراً، كما أن العقل يميز ما سجل فيه بدقة، ويقل النـســيان كــما يتغلب الإنسان على الأحلام المفزعة أو قلة النوم أو عدم التمكن من الراحة.

فالبحث عن التركيز هو أول مهمة يجب أن يسعَى إليها البناء لتطوير قوته إذ تفـيــده فــي البحث والمعرفة، والتركيز المطلوب هنا هو التركيز بقوة الحواس دون فـقــدان للــوعــي أو نصف غيبوبة، بل تركيز تام يترك الحواس في يقظة ودون أن ينفعل العقل لذلك، فإن انفعل لا يتم هذا التركيز.

شروط التركيز:

والتركيز قد ينقص من الخيال والانفعال الفكري، كما أن الألم الجسدي ينقضي أو يـقــضى عليه بواسطة التركيز، وإن تمكن التركيز بالحواس يكون العقل مستعدا للإجابة المباشرة كما يمكن تركه للخروج من الدماغ والاحتفاظ بالحواس ساكنة في الدماغ محيطة بقـوى الجــســم بدلا من أن يبقى العقل هو نفسه مسجوناً في الإنسان، وهذا يساعده على إثبات ما يتوصل إليه من معرفة أو نفيها.  وقد يتوصل الإنسان إلى قوة إثبات ما يصل إليه من معرفة أو نفيها  ومعنى ذلك أن يعـزل بين الخطأ والصواب في كل شيء مع إدراك معالم الأشياء وأصلها أو تغييرها ، وهذا يتطلب معرفة ثابتة إثبات المعرفة في الأشياء أو نفيها في النفي. وقد يخطىء الإنسان في استنتاجاته العلمية مادامت أشياء أخرى تدخل على ما استنتجه من علم، كما تبقى قوة في قوتها مادامـت لم تدخل عليها قوة أقوى منها، وهذا يخيف الإنسان في كل بحوثه لاسيما إذا اعتقد في مـبــدأ ما اعتقادا ثابتاً.

يوجد كثير من الناس قد توفرت لديهم شروط التركيز بوسيلة أو بأخرى، وقد يتـمكـنون من ترك العقل في مستوى يبتعد به عن الجسم ويدخل أجواء الباطن عن علوم خفـيــة باطــنــية، ويكتسبون ترجمة ما يكتشفونه من علم وإخراجه بواسطة الحواس إلى شيء مفـهـوم، وهــذه قوة من قوى الاتصال إذ يمكن بواسطتها الاتصال بالعقل المتصل مع قوى العقل المتصل بـه من الأحياء، أو الموتى، أو الرجوع إلى وقائع تاريخية يتطلب معرفة نموذجية أولية للبحـث في هذا المجال. وقد يحصل نفس الشيء للإنسان العادي دون أن تكون له ميزة، فــيــجـد أن مكانا ما قد رآه من قبل، ولكن  لا يعرف كيف، أو منزلا أو حادثاً، وذلك، بإرادة ظاهـرة في أن العقل له تجوال يجد فيه نفسه حراً غير مرتبط بالحواس، فيتم الاتصال بأشياء كثـيـرة يترجمها إلى الحواس فتصبح مفهومة، وشأن غالب الأحلام هو كذلك اتصال العقــل بأشــياء مبهمة يترجمها العقل هي كذلك بوسيلة صورية أو فكرية، وقد يكون الإنــسان يتــحــدث في شيء أو يهتم بشيء وينام على إثر ذلك فيبقى العقل في تلك المرتبة ثم يطور ذلك فيــصــبــح حلما، وللأحلام مراتب كثيرة منها التي هي أصلها مما يتخيله الإنسان، ومنها ما يتـصل بـه العقل بنفسه، ولكن هناك مرتبة علوية لا تخضع للحواس ويعرفها العقل ثم يترجمها للحواس على حسب مستوى معرفة الإنسان، وذلك يظهر بوضوح عندما نقارن ما يحلــمــه الإنــسان اليوم ، بينما الإنسان القديم لم يكن يحلم سيارات أو ما هو موجود في عصرنا. فالعقل يـترجم الأشياء المبهمة بإعطائها الصبغة المفهومة عند الإنسان بما سجله العقل.

الطرق للتركيز:

ومن أخلص الطرق للتركيز: القراءة، فدور القراءة مهم كثير، وهناك كتب كتبها أصحابها خاصة لتنمية قوى التركيز بالتواء كتابتها أو تعسير فهمها أو تخصيصها في الــبــحــث عــن المعرفة أو الاهتداء إليها. ولا يمكن للقارىء أن يشعر بذلك إلا أنه يشعر أنــه بــحاجــة إلــى قراءة تلك الكتب وترديد مضمونها وحفظها، فيصبح ذلك عند الدماغ بمثابة مخــدر مــريــح للعقل. والتخدير بوسائل شتى كان منذ القديم سبيلاً منحرفاً لتنمية قوى التــركــيــز، وأغــلــب تلــك المخدرات ما يؤدي إلى الغيبوبة أو إلى نصف الغيبوبة فيتم اتصال العقل إمـا بــمــراتــبــه أو بأشياء أخرى، كما كان السكر وسيلة ثانية لنفس الغرض، أما السكر الحقيقي فيتم بواسـطــة العقل نفسه دون إدخال أي قوة أجنبية عن الجسم والدماغ. وكل هذا ينــعــش الــدماغ وحــده وليس للعقل نصيب فيه. ويعجز الإنسان عن استرداد قواه الكاملة لابتعاد العقل عـن ســكــناه بعد تلويث الدماغ، فلا تبقى للحواس فعالية قصوى ليميز بها الإنسان ما يجري حوله.

أم السكر بواسطة العقل، فإن التمكن من ذلك يتم بسيطرة قوى العقــل عــلــى الــحــواس ، فيخدرها، أو ينومها، وهذه الطريقة عرفها القدماء واستعملــت فــي الجــراحــات، إذ كــان                                                                                                                   بإمكان الذي تجري له العملية أن ينوم نفسه أو يخدر أعضاءه، كما استعملت نفس الطريقــة عند الكثير ممن احترفوا القتال بالأيدي على أساس تخدير أعضاء الجســم والــتــمــكــن مــن الضرب بصلابة.

استعمال القوة:

إذا استعمل الإنسان قواه العقلية في غير معرفة الحقيقة الثابتة فإنه يبقى ضحيــة لــنــفــســه ويسوء فهمه كما يصبو إلى اتباع رغباته دون التفكير فيما يضره وحتى فيما ينفعه، ومـشكلة الإنسان والعقل هو مشكلة المعرفة، فلن يهدأ الإنسان مادام لا يعرف شيئا عن نفـسـه ومــادام جاهلا لمصيره بعد الموت، وهل الموت نهايته النهائية أم هي بــدايــة لمــأســاة أم لــراحــة؟ والإنسان بالعقل لابد له أن يجد لأسئلته أو إقناعا لها ليطمئن إلى نفسه أو إلى فهمه تجاه العلم.

إن الإنسان مازال لم يدرك كل قوى عقله كما أنه مازال لم يستعمل كل الوظائف العقــلــيــة الموجودة فيه أو معرفة إمكانياته، ولو تمكن الإنسان من هذه المعرفة حق التمكن لاستطاع أن يعيش حياة أخرى غير التي هو عليها، ولكانت له حاجيات أخرى مخالفة للتي هـو مــحــتاج إليها الآن، ويستطيع التنقل دون وسيلة نقل بل بوسيلة المعرفة، ويكون العلم ملك يديه، ثــم حينئذ نقول إن ما في الطبيعة قد سخر له حقا. وقد يبقى هذا مجرد حلـم فــعــلا لأن الإنــسان متجه إلى الماديات متجاهلا المعرفة التطبيقية لإدراك القوى الكامنة فيه والكامنة في الطبيعة. وكم يحلم الإنسان بشبه جنة فوق الأرض، والعيش في أمان وسلم دائمين، ويبتعد الــوصول إلى كل ما ازداد الإنسان ابتعادا عن البحث الأصلي لنفسه وللأشياء. والباحث يظهر دائما أمام الآخرين أنه إنسان قد فقد توازن فكره وعقله.

إنه لمن المعقول أن يفكر الإنسان في أشياء معقولة، ولكن قبل التـفكــيـر وجــب علــيــه أن يعرف معقولية هذه الأشياء وكيف تصبح معقولة لديه ، أعندما تكون موافقة لمبتغاه أو عـندما تكون مخالفة لما يرضاه. والإنسان من طبعه يريد أن يكون واقعياً، والواقع هو كـما يــراه، هو، وقد تكون للآخرين نظرية أخرى تجاه كل واقع وأفكار أخرى لا تكون منطقية مع أفكار كل الناس، وكل أمة لها اكتشافاتها كما لها عقيدتها، وكل يرى الآخرين حــمــقى لأنــهــم لا يوافقونه في كل ما يراه هو معقولا أو واقعياً. والواقع الأصلي لكل شيء ليس أساسه الـظــن بل أساسه المعرفة المحكمة، والعلم الثابت الذي به يثبت الإنسان مفهــومــه تــجــاه الأشياء، فحينئذ يرى الواقع  واقعا والمعقول معقولا لا تغيير فيه. وقد اختلف العــلــماء فــي وظائــف العقل ومراتبه، وكم هو التفكير في العقل وقواه صعب، وكيف للإنسان أن يميز ما لديـه من علم لإفراز معرفته واستخراج كل ما فيه من خطأ وإدراك ما فيه من صواب. هل بوسـيــلــة التجربة أم بوسيلة إلارشاد، إن كان بوسيلة تجربة فبأي تجربة تكون بداية البحــث. وإن كــان بوسيلة إلارشاد فمن سيتخذ للناس مرشداً، ولاسيما في العصر الحديـث إذ لا وجــود لأنــبــياء ظاهرياً.

استخدام العقل:

قد يقول الإنسان لنفسه إن الحل كله في اتخاذ العقل أول وسيلة وليكن العقل كعصا الأعـمى في دورها. والإنسان يكون أعمى ببصره إن لم يكن يرى واقع الأشياء وحقيقــتـه، وكــيــف للإنسان أن يدرك الواقع بمجرد عقله، والعقل دوره ليس مرشداً بل قوة تـســجــل مــعــرفــة الإنسان في دماغه، ولو كان العقل مرشدا لما عاش الإنسان جهلاً، ولما اختلفت القـوانــيــن عند الشعوب كلها، ولما اختلفت الأفكار والعقائد،  ادعى الإنسان الإنسانية وهو مصطنع لها  وما هي الإنسانية في حد ذاتها؟ هل هي قانـون يظهر به الإنسان انفراده بالعقل والإدراك؟، إن كان كذلك، فلابد من معرفة أصل كـل إدراك عند الإنسان، وإلا لما انتمت الإنسانية للإنسان، وتبقى كل القوانين التي عرفـها مــصــدرها ليس من الإنسان، بل من مورد آخر وقوة أخرى جعلت فيه الحياة كما جعلت فـيــه الــعــقــل وبينت له الصواب وحذرته من الخطأ، وإنما الإنسان انحرف عنها، وحينئذ يبقــى الإنــسان إنسانا فيه، ولا شيء ملك له بل هو لقانون أعظم منه جعل له مصيراً، ومـصــيــر الإنــسان الأول في هذه الأرض هو التخبط في نفسه وعدم الاستقرار.  ظهور ضعفه جعله يفكر بكـل قوته من هو، وما السر في إدراكه وما العقل؟ وضعف الإنسان يظهر عندمــا يــدرك حــدود إدراكه ويفهم حدود فهمه وأبعاد أفكاره، والإنسان في قوته لا يقوى على السيطرة الكــامـلــة للطبيعة، ويبقى جهله مستمراً مهما أدرك من علم، لأن العلم لا حدود له والإنسان يعـلــم أن الكون غير محدود في شيء. الإنسان يخاف من كل مجهول لديه ويخاف من اكتشافه، لأن كل ما يكتشفه يظـهــر لــه العجز أمام ما اكتشفه، ويدرك الإنسان حينئذ أنه قد تأخر كثيراً في إدراك علوم شـتــى وفــي اكتشافها.

حب الاستطلاع:

إنه لن يستطيع أن يبقى مكتوف الإدراك أمام الأشياء، لأن الحياة تدفعه إلى البحث كما يدفعه حب الاستطلاع. ومعرفة الإنسان محدودة كما هو محدود بصـره، إلا أنه مــازال لم يبلغ إلى حدود هذه المعرفة، كما أنه مازال لم يعرف سر قوة بصره ليزيد فيه من القوة الكامنة في الإنسان قوة حبه للحياة، فإن كان في خطر يستحضر حواسـه كامــلــة وعوالمها  وفي حالة استنجاد كثيرا ما نجد كأن قوة أخرى أضيفت للإنسان المســتــنــجــد، ويتمكن من رفع أثقال لم يكن بقادر على رفعها من قبل. وتلك قوى حواسه كاملة تمكـن مــن تركيزها ضد الخطر المهدد له، ولذا نجد طرقا عند كثير من الشعوب تستعمل فيــها وسائــل خطيرة ليستحضر فيها قوى الحواس، وبتلك التداريب يمكن إدراك هذه القوة واستعـمـالــها، ومن أمثال هذه التداريب، السباحة إلى درجة الإعياء، فحين يكون المـتــدرب علــى وشــك الغرق وانهيار قواه نجد أنه بعد استحضار قوى حواسه، يتمكن من الـمــزيد فــي الســباحــة أضعاف أضعاف قدرته في حالة ركود الحواس.

هناك قوى كثيرة في الإنسان يحركها العقل دون إدراك مصدرها كمخاطبة النفس، فالإنسان حين يخاطب نفسه كأنه يتحدث مع إنسان آخر فيه، وكأنهما في حالة جدال أو حالــة اتــفــاق تام، والسر في ذلك أن العقل كأنه لديه مرآة. حين يسأل الإنسان نفسه عن العقل يوجه العقـل تلك المرآة تجاه السائل فيرى الإنسان نفسه في العقل دون أن يدرك كنهه، وكل كلام يــقــوله الإنسان إلا ويرجعه العقل إليه، ويجد الإنسان نفسه مخاطبا لنفسه، كما يقول الحال عــنــدما يتحرك الإنسان أمام مرآة تعكس له نفسه وحركاته، وحين يرى الإنسان نفسه في المرآة فإنـه لا يرى المرآة بل يعيش عالما صوريا وحركيا ليس واقعيا أصلا ـ بل صورة لواقــع وعــالــم أصلي في وجده. وبهذا فإن الإنسان لن يستطيع أن يعرف العقل أبداً، بل يمكنه أن يتـعــرف على قوى العقل التي يحركها العقل فقط.

المعرفة:

إن معرفة الإنسان قابلة للتغيير والجدل والنقاش، أما العلم فإن من شروطه قبوله كعلــم ولا مجال للنقاش فيه. وكل معرفة قيلت أو كتبت ليس هدفها الإقناع، بل هدفها الأصلـي الــدفــع إلى البحث عن العلم، وكل معرفة لابد أن يقبلها الإنسان لأنها تدعوه إلى البحث عن الـعلــم، وكل اختلاف في المعرفة يدعو إلى البحث عن الصواب والحقيقة، أما الــعلـم فــلا يــمــكــن الاختلاف فيه، وكم من قول قيل عن الإنسان وعن العقل واختلاف ما قيل دال على أن ذلــك الاختلاف هو مجرد معرفة، وفي هذا الحال يبقى كل إنسان مستـطــلــع وباحــث حــرا فــي استمساكه بما يعرف، ومن كان حرا في معرفته فإن واجبه هو أن لا ينزع للآخرين حــريــة اعتقادهم مهما. أن كل معرفة تبقى تجربة أو مجرد اكتشاف وليس علما ثابتاً، ومن الحكمة أن يحتفظ الإنسان بأفكاره لأنه يموت بها ، ولكن وجب قبل الاحتفاظ بها أن يدركها بأنها علــم لا مجرد معرفة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى