مقالات متنوعة

تعليم المبتدئ

مهمة الماسونية أن تأخذ الحجر الخام الذي تتوافر فيه مميزات خاصة، فتنحته وتجعله جميلاً بذاته، صالحاً للبناء.

إلا أن وجود الحجر الخام المناسب أصبح صعباً في هذه الأيام، ونحته صار أكثر صعوبة، ذلك أن الحجر المقصود هو الإنسان، وإنسان هذا العصر قد أقام للتقنية مدنية مادية هائلة غطت كل مجهودات الإنسان الأخرى، إنها مدنية الاستهلاك.

هذه المدنية العصرية قضت على روح القناعة عند الإنسان، فكثرت حاجاته، ونوعت رغباته، فصار يشعر دواماُ بأن أشياء كثيرة تنقصه، وكلما أحرزها أزداد رغبة في إحراز غيرها، وكلما أحرز غيرها تلوح له أشياء أخرى فيضاعف جهده لإحرازها، حتى عاد لا يجد فترة هدوء يلتقط فيها أنفاسه، ويشعر بأنه إنسان لا آلة، وينعم ولو بما في هذه الحياة من روعة ولذة وجمال، ويسائل نفسه هل هو من أجل هذا وجد هذه الحياة؟

هذه المدنية أوجدت عند الإنسان الفردية، فقل تعاطي الناس بعضهم مع بعض إلا الشؤون المادية، وقل التزاور والتداخل في شتى الشؤون الاجتماعية، وهذه الفردية آلت إلى المنفعية: فلا يتحرك الواحد إذا لم يكن له من هذه الحركة نفع، ولا يؤدي خدمة إذا لم يكن له عنها أجر، ذلك أنه بحاجة دائماً إلى مال وعاد لا فرق عنده من أي طريق أتي.

والمنفعية آلت إلى الأنانية، والأنانية غشت الضمير بغشاء أسود، وبقدر ما يتكاثف هذا الغشاء يبتعد الإنسان شيئاً فشيئاً عن إنسانيته.

ومدنية الاستهلاك المادية قتلت الحس بالجمال عند إنسان اليوم، وقتلت أيضاً الخيال، فحالت دون تساميه الروحي وارتفاعه إنه كالطائر الذي حطمت جناحيه.

من البديهي إذاً أن تصبح مهمة الماسونية شاقة في هذا العصر، وقد كثر التجافي والابتعاد عنها، وعادت مثاليتها في السلوك، وعمقها في التفكير، وسعتها في البحث عن الحقيقة، لا تتفق ومادية العصر، فكان عليها أن تغير مناهجها تطوراً مع الوقت بغية استمالة إنسان اليوم إليها، وأن تضاعف مجهودها لتيسير نحت الحجر الخام وقد العصر عبثت به به روح.

والدخول في الماسونية ليس رحلة استجمام، ولا هو مغامرة للاطلاع وإشباع الفضول، ولا هو نزوة عابرة غير محدودة السبب والغاية، بل الدخول في الماسونية هو تغيير في مجرى حياة.

دخول الماسونية يفرض على الإنسان تغيير عادات كثيرة كان يألفها، وتغيير كثير من طباعه وأفكاره ومناهجه، وتغيير كثير من طرق تعامله مع الناس، وتغييراً في مجرى حياته البيتية لكي يستطيع القيام بواجباته المحفلية، وهذا يقتضي معارك حامية بين الرجل ونفسه، ويحتاج إلى رغبة أصيلة، وإرادة صلبة، وعزيمة لا تتزعزع، وعندما ينتصر الإنسان على ذاته تنسيه لذة الانتصار جميع ما قاسي من المتاعب والمشقات ويبقى بديهياً وثابتاً أن هذه التغييرات، على اختلافها، هي من القبيح إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن، وهي كلتها في خير الإنسان وصلاحه وفلاحه.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى