مقالات متنوعة

ملخص كتاب مغامرة العقل الأولى (اساطير)

اساطير حقيقة العالم والحياة:

حيث اعتبر الكاتب الأساطير أنها نتاج محاولات الإنسان المتتابعة في كشف حقيقة العالم والحياة وإدراك البدايات وسعيه الدائم لفهم كل ما يدور حوله، فالفكر الإنساني لا يقف عند إطار معين ولا تعيقه حدود الزمان والمكان.

في القرن الثامن عشر كانت الأساطير تتهاوى أمام الفلسفة والدين وتبلور المناهج العلمية، فدنت مكانة الأسطورة إلى مرتبة الحكاية الشعبية أو الخرافة لأن ما تحتويه يتنافى تمامًا مع التفكير العلمي الحديث، ولكن مع بداية القرن التاسع عشر والذي جلب معه ثورة فنية وجمالية أعادت للأسطورة مكانتها كشكل فني من أشكال الفلكلور الشعبي، واعتبرت الأسطورة في ذلك الوقت أصلاً للفن والدين والتاريخ ولم تقف عند ذلك فقط بل إنها أثرت في العلوم الإنسانية كذلك بسبب احتوائها على رموز كامنة ومعان عميقة، كما ظهر في هذا القرن فرع جديد من العلوم وسمي بـ الميثولوجيا والذي يعني بدراسة علم الأساطير.

أما مع نهاية القرن التاسع عشر ظهرت مدارس عدة تهدف إلى تقديم نظريات شاملة متكاملة في تفسير الأساطير وبيان بواعثها، فاعتبروا الأسطورة أيضاً فناً أدبياً وحكمة وتراكم لنتاج الفكر الإنساني في مجال الأدب فهي تأخذ شكل حكاية لتعبر عن الطابع الفني والفكري والأدبي لشعب من الشعوب، كما أن الأساطير ارتبطت بالظواهر الطبيعية والكثير منها يرتبط بالقمر والشمس والماء وغيرها، فجاءت مفسرة للأسباب الكامنة وراء الكثير من هذه الظواهر.

دراسة الأساطير:

وحاول الكثير من العلماء دراسة الأساطير من اتجاهات مختلفة فرأى عالم الأنثروبولوجيا مالينوفيسكي أن الأسطورة تنتمي للعالم الواقعي وتهدف إلى تحقيق غاية علمية ولا علاقة لها بالبواعث النفسية، أما عالم النفس الشهير سيغموند فرويد فرأى تشابهاً في آلية عمل الحلم والأسطورة فهما نتاج للعمليات النفسية اللاشعورية، ففي الأسطورة كما في الحلم تقع الأحداث حرة خارج قيود الزمان والمكان وتعبر عن الرغبات المكبوتة، وهذا ما اتفق معه فيه تلميذه يونغ أن الأسطورة نتاج اللاشعور ولكن اختلف معه أن الأسطورة كالحلم.

ثم جاء فراس السواح ليضع الفروق الجوهرية بين الحكايات الشعبية والأساطير، فاعتبر الأسطورة نظام فكري متكامل يستوعب قلق الإنسان وتوقه الأبدي لكشف الغوامض، والأسطورة حكاية مقدسة يلعب دورها الآلهة وأنصاف الآلهة تنتقل من جيل إلى جيل بالرواية الشفهية بجانب حفظها مكتوبة على ألواح فخارية حفظت في المعابد ومكتبات الملوك، أما الحكايات الشعبية هي كالخرافة لا تحمل طابع القداسة ويلعب دورها بشر عاديين ولا تتطرق إلى موضوعات الحياة والقضايا المصيرية ولكنها تقف عند حدود الأمور الدنيوية العادية.

ثم ينتقل فراس السواح إلى أساطير الشرق القديم والتعريف بالأسطورة في سوريا وبلاد الرافدين، مع عرض لنص تلك الأساطير الحقيقي معتمداً على أكثر من ترجمة لضمان الوصول إلى فهم متكامل للأسطورة.

سفر البداية:

يقول الكاتب أن مسألة بدء العالم والحياة وخلق الإنسان هي أولى المسائل التي ألحت على العقل البشري لذلك لا نجد شعباً من الشعوب إلا ولديه أساطيره الخاصة التي تفسر نشأة الكون والحياة.

تبدأ كل أساطير التكوين في منطقة سوريا وبلاد الرافدين بحالة من السكون والعماء المائي فلا تمايز ولا تشكل فيه فقط حالة هدوء شاملة وكأنه العدم، وفي لحظة معينة يذوب كل هذا السكون وسط صخب ناتج عن ولادة آلهة جديدة وينبثق الكون من لجة العماء فتبدأ الآلهة في خلق العالم ووضع أسس للكون والحياة ويبدأ الزمن الذي نعرفه الآن.

وكان لابد من تكرار دوري لفعل الخلق الأول في كل عام، ففي كل سنة يُخلق العالم من جديد وذلك يحدث بمساعدة البشر عن طريق قيامهم ببعض الطقوس التي تشد أزر الآلهة ضد القوى التي تتصدى لحركة الكون، ويمكن اعتبار هذا تفسيراً للاحتفالات الدينية في رأس السنة والتي بدأت في بابل وما زالت موجودة حتى يومنا هذا.

وقد ذكر الكاتب النصوص التي تذكر بداية الخلق عند السومريين، وذكر كذلك الملحمة البابلية الشهيرة التي تمثل خلق الكون والتي تسمى  “الإينوما إيليش” مع ذكر نصوص أخرى في التكوين، كما ذكر التكوين الكنعاني الذي وجدت الألواح الخاصة به في مدينة أوغاريت على الساحل السوري، وأخيرا التكوين التوراتي معتمداً على ما كتبه العبرانيون عن أنفسهم في التوراة باعتباره تاريخاً.

سفر الطوفان:

بعد خلق البشر على الأرض بمدة قصيرة أدرك الآلهة أن البشر لم يحققوا الغاية الأساسية من خلقهم وعاثوا في الأرض مفسدين وخالفوا أمر الآلهة، فتقرر بعض الآلهة إفناء حياة البشر مع الحفاظ على ما أنجزه الإنسان على الأرض عن طريق إنقاذ مجموعة صالحة من البشر لتبني مدن ومجتمعات جديدة بعد انتهاء الدمار.

تختار الآلهة واحدا من البشر ويكون أصلحهم وتوكل إليه مهمة إعمار الأرض بعد الدمار ويكون هو المنقذ لمجموعة من البشر الصالحين والحيوانات وكل ما يلزم لتعود الحياة مرة أخرى، وتعتبر هذه الخطوط العريضة التي تتشابه فيها أساطير الطوفان السومرية والبابلية والعبرانية.

أساطير الدمار:

تروي أساطير الدمار أحداث لا تقل رهبة عن أحداث الطوفان ولكن هذه الأحداث لم تكن دماراً شاملًا وإنما كانت دمار جزئي يتوقف عند نقطة معينة قبل أن يقضي على الحياة، واعتبر الكاتب هذه الأساطير نوع من أنواع التعبير عن طاقات البشر التدميرية الكامنة، أو أنها كانت تبريراً وتعليلاً لكوارث حقيقية حدثت بالفعل وجاءت الأسطورة تروي تساؤلات البشر.

ذكر الكاتب الكثير من الأساطير ومنها الأسطورة البابلية التي تحكي انتشار الطاعون في البلاد والذي كان سبباً فيه الإله (إيرا) إله الطاعون والأوبئة الفتاكة، كما جاءت الأسطورة التوراتية معبرة عن محاولات موسى في إقناع فرعون أن يسمح له ولشعبه بالخروج من أرض مصر ولكن تذهب محاولاته هباءاً، فيشكيه موسى إلى ربه يهوه فيلقي يهوه بالأهوال على رأس فرعون وشعبة فتمتلأ الآبار بالدماء وتنتشر الأمراض والأوبئة وتموت الحيوانات وتخرب الأرض والمزروعات.

سفر التنين:

كما علمنا من الأجزاء السابقة أن قبل الخلق كان هناك حالة من العماء المائي والسكون وبعد الخلق أصبح الكون في حالة من الفوضى والصخب، فظلت الآلهة القديمة في حالة حرب لتعيد للكون سكونه البدئي، وتفعل ذلك بمساعدة بعض الكائنات الخارقة ورأى الكاتب أن اتباع المنطق الفرويدي يوصلنا إلى أن تلك الكائنات تمثل قوى اللاشعور الفردي التي تناقض دائماً الوضع الحضاري للإنسان وتقتحم عالم الشعور.

سفر الفردوس المفقود:

طالما كانت الفردوس هي الأمل البعيد للبشر النور الذي يشع في نهاية نفق الحياة الشاقة وتعبير سلبي لدى كل الشعوب عن رغبة في التعبير لم تخرج إلى حيز الفعل.

فمثلاً الجنة السومرية قد مثلت بأرض نقية خضراء خاصة في أسطورة “دلمون” التي تحدثنا عن أرض دلمون المكان الطاهر النظيف حيث لا تنعق الغربان، المكان الذي يعيش فيه إله الماء العظيم عند السومريين الإله  “إنكي” وزوجته “ننخرساج” التي تمثل الأرض الأم، وهنا تتشابه الأسطورة السومرية مع الفردوس التوراتي حيث عاش آدم وحواء وجاءت الأسطورة البابلية مشابهه لهم وبالأخص مع الجنة السومرية ففي الأساطير البابلية اعتبرت دلمون مكاناً للخالدين، لذلك فإن دلمون تعتبر الجنة السومرية البابلية.

 سفر قابيل و هابيل:

بما إن المجتمع السوري القديم كان يقدس الزراعة بشكل كبير فنرى في النصوص السومرية الثلاثة التي ذكرها الكاتب والتي تحكي التنازع بين المزارع والراعي تكون دائماً الغلبة للمزارع على الراعي.

وكذلك يسير النص التوراتي على خطى النصوص السومرية فيذكر حكاية ابني آدم وحواء قايين والذي اشتغل بالزراعة وهابيل الذي اشتغل بالرعي، فقاما بتقديم قرباناً للرب فقدم هابيل ذبائح وقدم قايين ثمار الأرض التي يزرعها فتقبل الرب هابيل ولم يتقبل قايين، فدفعت به الغيرة إلى قتل أخيه.

في النص التوراتي تظن في البداية أن الغلبة للراعي على المزارع ولكن بعد ذلك ترى مصير المزارع المفجع، وقد فسرها الكاتب أن اليهود كانوا قوم رعاة قبل استقرارهم وانشغالهم بالزراعة وبناء المدن لذلك فهم يكنون احتراماً لتاريخهم الرعوي.

 سفر العالم الأسفل:

إن دورة الحياة والموت والبعث كانت الفكرة المركزية في الدين والأسطورة ويتمركز حولها لاشعور الإنسان في الماضي والحاضر، فنجد من خلال الرموز في الأساطير القديمة أن الموت لم يكن أبداً مرحلة نهائية ولكنه اعتبر دوماً بمثابة عبور الإنسان من حالة إلى حالة أخرى تختلف كثيراً عن الحالة التي ألفاها على الأرض، وبالتالي فلم يكن خوف الإنسان الكامن من الموت خوفاً من الفناء ولكنه كان خوفاً من المجهول.

كان العالم السفلي في سوريا وبلاد الرافدين عبارة عن عالم يقع تحت عالمنا وأطلق السومريون عليه اسم “كور”، حيث تمضي إلى هذا العالم أرواح جميع الموتى دون تمييز بين الصالح والفاسد والغني والفقر ويحتفظ الكل بمكانته التي كانت على الأرض فالأمير يظل أميراً والعبد يظل عبداً.

وهذا العالم يقع خلف سبعة جدران وله سبعة بوابات حصينة عليها حراس غلاظ شداد ويُقاد القادم عبر البوابات السبعة بعد أن يُنادى باسمه حتى تسمعه أرشكيجال (إلهة العالم السفلي) وعند كل بوابة يتخلى عن شيء من متاعه وملبسة إلى أن يصل أمام أرشكيجال عارياً.

 سفر الإله الميت:

بعد خلق العالم تتخذ الآلهة الكبيرة من السماء مسكناً لها وتبتعد عن البشر وصخبهم مفسحة المكان للآلهة الأصغر التي تلقى الاحترام والتبجيل من البشر مثل آلهة الخصوبة والظواهر الكونية ولا يلجأ البشر إلى الآلهة الكبيرة إلا في حالة الأخطار العظيمة مثل الأوبئة أو العواصف والأعاصير.

كانت من أكثر الظواهر الطبيعية المحيرة بالنسبة للبشر هي فكرة اخضرار الطبيعة وازدهارها في وقت من السنة ويبوسها في الوقت الآخر، وقد غلبت على أساطير الشرق القديم فكرة موت الطبيعة وانبعاثها من جديد وكأن الموت هو الوجه الآخر للحياة، وتتجدد الطبيعة بموت إله وتضحيته بنفسه من أجل استمرار الحياة، وتعتبر حياة الإنسان على الأرض نوع من الخلاص يحمله الإله الميت لبني البشر.

هجرة الإله الميت :

كثيراً ما تتشابه الأساطير في جوهرها من مكان إلى مكان فكلها في الأصل تعبير عن دوافع دفينة واحدة، فنجد أن أسطورة الأم الكبرى أو الروح الإخصابية الكونية وحبيبها المفقود الذي تبحث عنه في كل مكان انتقلت من سوريا وبلاد الرافدين إلى بقية أنحاء العالم، فمثلًا تتشابه الأسطورة المصريةإيزيس وأوزوريس” مع أساطير أخرى في سوريا وبابل، ونجد أن بلاد الإغريق عندهم نفس الأسطورة ممثلة في أسطورة “أفروديت وأدونيس” وغيرها من الأساطير التي تسير على نفس المنوال.

السيد المسيح ( آخر المخلصين) :  

كان قلة من اليهود يتوقعون ظهور المهدي المنتظر أو المسيح لينقذ الشعب من اضطهاد الرومان ويبني ملكوت الرب على الأرض، وعندما صلب المسيح رأوا أنه غادرهم لأن البشر ليسوا مؤهلين للدخول في ملكوت الرب بعد.

وقد واجهت المسيحية الكثير من الصعاب قبل انتشارها ولكنها انتشرت بصورة واسعة في البداية لدى أفراد الجاليات اليهودية في الإمبراطورية الرومانية ثم بعد ذلك انتشرت بين أفراد من غير اليهود وكان المسيح بمثابة الإله الميت الذي ذكر في الأساطير، فقد ولد من أم عذراء وجاء مبشراً لرسالة جديدة ثم عانى وتألم ومات .

 

القلم الحديدي 1/1/2021

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى