الدين و الماسونيةمقالات متنوعة

يسوع الناصري

نبي الله

ربما لا يؤمن البعض إيماننا بأن يسوع الناصري ــ المسيح ــ كنعاني المولد، ولكن ما لا نقبل به أن يظل أتباع المسيح بعد ألفي سنة من عمر الزمن، لا يؤمنون بأنه كنعاني النشأة، وان دعوته كنعانية المحتوى، برغم ما تكشفت عنه الآثارات من حقائق أثبتت إيماننا هذا، حتى أصبح نكرانها نكراناً للحقيقة عينها، ورفضها رفضا للواقع الفكري الملموس، وبالتالي أصبـح تمسك المسيحيين بالأضاليل التي صاغتها اليهودية حول المسيح خروجا على العقل والمنطق، وعلى الإيمان أيضاً (1).

لقد ثبت للعلماء، وبعضهم من كبـار الكنيسة، على أثر المكتشفات السومرية والاوغاريتية بنوع خاص، أن الدين اليهودي مأخوذ عــن الدين الكنعاني، خاصة فيما يتعلق بالشريعة والذبيحة وفروض العبادة، وغيرها من الطقوس.

ربما لا يقول البعض قولنا بأن المسيح هو أحد الكبيريم في كنعان، وواحد المكرمين الذي حمل في طبيعته الإنسانية ميولي الإلهية، تغلبت على مادة التكوين الإنساني، فميزته عن سائر بني البشر، بدفع روحاني، وتفوق عقلاني خارق، وصفاء نفساني حمله إلى مـا وراء الوجود، فأدرك الألوهية وصار ابنا الآلة، ابنا “لإيل“، وواحد السبعة الكبار، الذين جاء يكمل رسالتهم، فعلم وبشر، بني وعمر الهيكل الكوني المنشود، وختم رسالته بدمه، فكان قمة الفداء والعطاء الذاتي.

 كان قوت العالم،

وكان دمه الذكي بلسماً لجروح الإنسانية.

إن أصل الإيمان الذي دعا إليه الناصري، هو الإيمان بأبوة إيل، أي أن الله هو أبو للبشرية جمعاء، دونما تميز ودونما تفرقة بين شعب وآخر أو لون وآخر.

وإذا ما عدنا إلى المعتقد العبري الذي يناقض كل المناقضة هـذا المفهوم الأساسي في الإيمان المسيحي، عرفنا كم كان المصلوب بعيداً عن جو اليهودية ومعتقداتها، وكمْ كان قريباً من الجو الكنعاني ومعتقداته.

ظل اليهود وما زالوا يعتقدون أن يهوه إلاههم وحدهم ومنقذهم وحدهم، وحامي حماهم، وراعي مصالحهم، ومسلطهم على جميع الشعوب، ومحرضهم على الفتك والتنكيل.

 (- واقتلوا كل ذكر من الأطفال، أمـا إناث الأطفال اللواتي لم يعرفن مضاجعة الرجال فاستبقوهن لكم…) (2).

بينما كان الكنعانيون ومـا زالوا يعتقدون أن إيل هو أبو آدم، أبو البشرية جمعاء، وان العلاقة بين الله والبشر هي علاقة أبوية رحيمة، سماوية المصدر، سامية المقصد، مترفعة عــن الدنيويين، مبشرة بالمحبة والإخاء والمساواة، ملهمة الحق والعدل والسلام، تماماً كمثل ما بشر به يسوع دونما جدوى، فطاردوه كل حياته، واتهموه في آخر حياته التجديف على يهوه، فعذبوه وأهانوه وجلدوه، ولمـا وصلوا به إلى الصليب، ووصلت أنفاسه إلى حلقه، صاح بهم مؤكداً إيمانه الكنعاني العظيم:

 “إيلي إيلي لما شبقتني!… ”

وهكذا أثبت المسيح حتى الرمق الأخير تعلقه بالدين الكنعاني وباله الكنعانيين، ورفضه لبداوة اليهود.

إن ذروة الإيمان هذا والأبعاد الروحية التي أشرف عليهـا الناصري، جعلت من إنسانه إلاهاً فوق كونية الإنسان، فكان ككل إنسان آخر يأكل ويشرب وينام، ولم يكن كل إنسان مسيحياً يكثر الخبز ويحول المـاء خمراً.

ولم يكن ذلك سحراً وطلاسم وأعاجيب

بل كان سيطرة على المحسوس وتسلطاً على المادة وقدرة فوقية تخلق في المادة طوعية تحولها وتغيرها بحسب مشيئة قادرة على التحكم بالوجود المادي.

هذا بعض ما توصل إليه المسيح، بفضل إرادة، بانتقال روحاني، بامتلاك للذات، بادراك للمعرفة، بالوقوف على أسرار الكون والطبيعة والإنسان والإله.

وما أن بدأ يسوع يضع اللمسات الأخيرة على صورة الإله الحقيقي، وما أن تبلورت دعوته واتضحت خطوطها العريضة، حتى تململت الصهيونية، وحركت عملاؤها الخونة والمارقون، شأنها مع الشهيد الأول، وكان المصلوب واحداً في قافلة الشهداء الكنعانيين الذين ما زالوا يتساقطون فداء الإنسانية السقيمة التي تنهش جسمها جراثيم الصهيونية العالمية.

  1. راجع”حياة يسوع” لأرنست رينان

يقول “رينان” إن مريم العذراء كانت كنعانية لا يهودية كما هو شائع.

  1. سفر العدد: ۱۷۰۳۱

 

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى