مقالات متنوعة

النظريات الكونية من وجهة نظر هرمسية

:Preparation

Troy Ashmoun

إذا تأملنا ملياً، نجد أن الهرمسية كمبادئ موجودة في عمق كل الديانات من الأسيوية الشرقية كهندوسيَّة وطاويَّة وبوذيَّة إلى الديانات الشرق أوسطية من يهودية ومسيحية وإسلام إلى ديانات الشعوب الأصلية في الأمريكيتين وإفريقيا وأوروبا واوستراليا بدرجات مختلفة وبالتركيز على جوانب معينة أو أخرى.

هرمس ثلاثي العظمة Hermes Trismegistus هو شخص عظيم، من المفترض أنه حصل على المعارف الثلاثة من فلك، خيمياء ولاهوت، وعاش في مصر القديمة وكان يسمَّى بالفرعونيَّة دجهوتي

والتي أصبحت بالقبطيَّة ثووغت (θωογϮ)،  وبالإغريقية ثوث Thoth)وبالعربية (توت).

اعتبر أحد الآلهة الأساسيَّة الفرعونيَّة وهو أحد الإلهين (مع معات) الذين حملا البارجة الشمسيَّة للإله رع، واعتبر توت إله السحر والكتابة وتطور العلوم ومحاكمة الموتى، وكان يرمز له بجسد إنسان ورأس الطائر أبي منجل. ومع تداخل الإغريقية مع الحضارة المصريَّة ونشوء الهلنستيَّة، تمَّ جمع صفات الإله هرمس (وهو أيضًا إله الكتابة والمعارف الإلهيَّة) مع توت ليسمى هرمس ثلاثي العظمة أو تريسماجستس. اعتمدت أفكاره ومبادؤه وحكمته من خلال تلامذته، وكان النقل شفهيًّا بالدرجة الأولى طبعًا ولعدَّة أسباب أحدها أنَّها كانت الطريقة المتَّبعة والشائعة بشكل عام، وثانيها عدم تطوُّر الطرق الكتابيَّة بعد بشكل محسوس، وثالثها وأهمُّها الخوف من الاضطهاد من قبل المدارس الدينية المسيطرة، ورابعها الخوف من تسفيه وتمييع المبادئ إن وضعت بشكل كتابي. تمَّ لاحقًا كتابة ما يسمَّى لوح الزمرُّد Emerald Tablet. اكتُشف لوح الزمرُّد – حسب الفرضيَّة – مكتوبًا باللغة الأطلنطيَّة، وتمَّت ترجمته لاحقًا إلى اللغة اليونانيَّة في القرن الثاني الميلادي، ثم وُجد مترجَمًا إلى السريانيَّة والعربيَّة واللاتينيَّة (وُجد لأول مرَّة ذكر لهرمس في كتاب عربي بين القرن السادس والثامن الميلادي). كان للهرمسيَّة دورًا كبيرًا في علوم الخيمياء العربية والأوروبيَّة. سنجد في الحقيقة أن المبادئ الأساسية للهرمسيَّة لها صدى واسع في كل الحضارات والأديان بلا استثناء، سواء بالهند أو الصين أو اليابان أو بلاد فارس أو الشرق الأوسط أو الديانات القديمة في افريقيا وآىسيا وأوروبا والهنود الحمر… الخ. وجد لاحقًا ما يسمَّى بالهرمتيكا، وتمَّ كتابة المبادئ الشفهيَّة بشكل موثَّق وعصري من قبل ثلاثة كتَّاب مجهولين في أوائل القرن العشرين (قد يكون أحدهم William Walker Anderson وهو أحد روَّاد الفكر الحديث) وأُطلق عليه ما يسمَّى بالكيباليون Kybalion.

قد يسأل الكثيرون عن سبب الاهتمام بالكيباليون والهرمسية. يكمن الجواب جزئيّا في الأسباب التالية:

– لأننا كما ذكرت نجد صدى للهرمسيَّة في معظم العقائد والأديان.

– لأنَّ الهرمسيَّة تعطي الكثير من الأجوبة على تساؤلات لم تُجِبْ عليها بعد العلوم الحديثة من فيزياء ورياضيَّات وعلم نفس وكيمياء… الخ.

– لأن فهم المبادئ الهرمسيَّة وإدراكها وإتقانها يجعل الإنسان يفهم نفسه وكونه ومغزى حياته ويجعله يعيش بشكل أكثر انسجامًا مع محيطه وقادرًا على التقليل من المصاعب والمشقَّات والحالات النفسيَّة التي يمرُّ بها.

لنتأمَّل بعض أقوال الهرمسيَّة، ونجد شيوعها في معظم الأديان:

– شفاه الحكمة مغلقة، إلا للذين يملكون آذان الفهم والإدراك.

– حيت تطأ أقدام المعلِّم، تفتح آذان هؤلاء المستعدِّين لسماعه.

– عندما تكون أذنا التلميذ مستعدَّة للسماع، تأتي شفاه من يملؤها بالحكمة.

و يقول الهرمسييون :أن الكلَّ موجود في كلِّ شيء، كذلك فكلُّ شيء موجود في الكلِّ. من يدرك هذا، يمتلك معرفة كبيرة”.

لنعطي مثالاً مبسَّطًا – وإن كان بعيدًا عن عظمة الكلِّ. عندما قام شكسبير بكتابة هملت أو عطيل أو الملك لير، كانت مجرَّد أفكار في ذهن شكسبير، ولكن أليس شكسبير موجود أيضًا في هذه الشخصيات ويعطيها حيويتها وأفعالها وروحها؟ هل الموناليزا موجودة في فكر دافنشي، أم أن روح وفكر دافنشي موجودة في الموناليزا؟ أليس الجانبان موجودان في الوقت نفسه؟ يكمن الفرق طبعًا عن الكون بأنَّ هذه الأمثلة تمثِّل الصور العقليَّة لعقول فانية، بينما الكون هو تمثيل عقلي لعقل أزليٍّ.

الكلُّ من خلال طبيعته الكينونيَّة، يوجِّه رغبته من خلال طبيعته التكوينيَّة، وتبدأ عمليَّة الخلق، وتبدأ الاهتزازات بالانخفاض تدريجيًّا إلى أن تصل إلى درجة اهتزازيَّة منخفضة وتتشكَّل المادَّة القاسية. هذه العمليَّة تسمَّى التقوقع أو الالتفاف أو التطوُّر نحو الداخل Involution، بمعنى أن الطاقة والعقل بالاهتزازات العليا تزداد تكثُّفًا وانغلاقًا، كالكاتب أو الرسَّام الذي يستغرق بعمله وإلهامه لدرجة ينسى نفسه. يكون هناك بنفس الوقت رغبة للعودة إلى المصدر تمامًا كالقوة الجاذبة والنابذة، أو اليانغ والين أو طرفا الميزان. عندما تصل هذه العمليَّة إلى أقصاها، تصل الرغبة إلى أقصاها، ولهذا السبب تؤمِّن لنا الحياة الأرضيَّة الفرصة الذهبيَّة للإدراك والاستيعاب. تبدأ عمليَّة زيادة الاهتزازات رويدًا رويدًا من المادَّة باتجاه الروح. هذه العمليَّة تسمَّى بالتطوُّر الصاعد Evolution أو قوانين السحب نحو المركز laws of indrawing. هاتان العمليَّتان تستغرقان مليارات من السنين الأرضيَّة، ولكنَّها تشكِّل غمضة عين للكلِّ.

سأل السائلون: “ولماذا كل هذا العناء، وماذا يستفيد الكلُّ من كلِّ هذا، وعنده كلُّ شيء؟”. البعض أجاب بأنَّ الكلَّ رغب بإيجاد شيء ما يحبُّه، أو أنه يشعر بالسعادة من فعل هذا، أو ليشعر بعظمته، أو لشعوره بالوحدة. كل هذه الأجوبة فارغة طبعًا، لأن طبيعة الكلِّ الكاملة السعادة، الكاملة القوَّة، الكاملة العظمة لا ينقصها شيء ولا تحتاج إلى شيء يملؤها. البعض قال بأنَّ الطبيعة الداخليَّة للكلِّ تفرض هذه الانبثاقات. في النهاية، علينا أن نتذكَّر أن قولنا بوجود سبب، معناه وجود نتيجة، والكلُّ أعلى من مبدأ السبب والنتيجة، والأمر الآخر أنَّنا مهما حاولنا فنحن نحاول بعقل فان لن يستطيع استيعاب العقل الأزلي.

سئل هذا السؤال لهرمس – كما يقال، فكان جوابه أنَّه أطبق شفتيه بشدَّة ولم يقل شيئًا. البعض قال لأنَّه لا يملك الجواب، وآخرون قالوا أنَّه كان يعني الحكمة الهرمسيَّة القائلة: “شفاه الحكمة مغلقة إلا لآذان الإدراك والفهم”. 

قامت الهرمسية على 7 مبادئ أساسية هي:

القوانين الكونية السبعة: مبادىء وحدة الإله الأزلية الابدية. نقلاََ عن تحوت الفرعونى (هيرميس تريسمجيستوس)

1- مبدأ العقلانية

يجسد هذا المبدأ حقيقة أن المطلق هو العقل. يوضح هذا المبدأ أن المطلق (وهو الحقيقة الجوهرية الكامنة في كل التجليات والهيئات، التي نعرفها تحت مفاهيم الكون المادي: ظواهر الحياة، المادة، والطاقة، وباختصار كل ذلك ظاهر لحواسنا المادية) هو الروح، والتي بذاتها مجهولة وغامضة، والتي، مع ذلك، يمكن اعتبارها أو الإعتقاد بأنها عقل كلي، مطلق، وفعال. كذلك يوضح هذا المبدأ أن كامل العالم الظاهري أو الكون هو ببساطة إبداع عقلي للمطلق، والخاضع لقوانين المخلوقات المخلوقة، وأن الكون ككل، وبأجزائه أو وحداته له وجوده في عقل المطلق، الذي بعقله نحيا ونتحرك ونحقق وجودنا. إن هذا المبدأ، من خلال إثبات الطبيعة العقلية للكون، يوضح بسهولة كل الظواهر العقلية والنفسية المتنوعة التي تحتل جزءً كبيراً من اهتمام الرأي العام، والتي بدون مثل هذا التوضيح لا يمكن فهمها وتحدي التحليل العلمي. إن فهم مبدأ العقلانية لهرمس العظيم يتيح للفرد أن يفهم بسهولة قوانين الكون العقلي وأن يطبقها من أجل سعادته وترقيته. إن تلميذ هرمس يستطيع بذكاء تطبيق القوانين العقلية النبيلة بدلاً من استخدامها بطريقة خطيرة، وبوجود المفتاح الرئيسي بحوزته قد يفتح التلميذ الأبواب المتعددة لمعبد المعرفة العقلية والنفسية، ودخولها بحرية وبتعقل. يوضح هذه المبدأ الطبيعة الحقيقية للطاقة، القدرة والمادة، ولماذا وكيف تخضع كل هذه الأشياء لسيطرة العقل. كتب أحد مدرسي هرمس القدماء منذ وقت طويل ” إن من يفهم حقيقة الطبيعة العقلية للكون فهو في مرحلة متقدمة على الطريق نحو التفوق”. وإن هذه الكلمات صحيحة في يومنا هذا قدر صحتها عندما كُتبت لأول مرة. بدون هذا المفتاح الرئيسي، التفوق مستحيل، والتلميذ

يطرق دون جدوى على الأبواب المتعددة للمعبد.

2- مبدأ الترابط

تعتبر الهرمسية أن هناك ثلاثة مستويات أساسية من الوجود: المستوى المادي، المستوى العقلي والمستوى الروحي. هذه المستويات غير منفصلة، بل هي تدرجات لانهائية، التدرج السابق يتصل بالتدرج اللاحق، إذ إن كل مستوى يتدرج إلى سبعة تدرجات متتالية وكل تدرج فيه تدرجات ثانوية سبعة وهذه بدورها تتدرج إلى سبع تدرجات ثالثية… إلخ، فالتدرجات متصلة ببعضها، بشكل مشابه للألوان والنوطات الموسيقية. قبل أن أذكر ما هي هذه المستويات، لا بد أن نسأل نفسنا ماذا يعني المستوى أو التدرج؟ هل هو مكان له أبعادأو هو حالة ذهنية فكرية معينة. الحقيقة الجواب عن هذا ليس سهلاً، فهو طبعًا أكثر من مجرد حالة ذهنية ولكنه ينبثق عن الفكر، لأن كل شيء هو فكري حسب المبدأ الأول للهرمسية، وكذلك لا يقوم فقط على الأبعاد الثلاثة المعروفة، بل يعتمد على بعد آخر هو البعد الاهتزازي، بمعنى، أنه حسب المبدأ الثالث وهو مبدأ الاهتزاز وأن كل شيء يهتز، فهذه التدرجات والمستويات يعتمد وجودها على درجة الاهتزاز، فكلما ازداد تواتر الاهتزاز وقل طول الموجة، ارتفعنا بالتدرج والمستوى؛ وعليه يمكن تقسيم المستويات الثلاثة إلى التدرجات السبعة الرئيسية:

أولاً: المستوى الفيزيائي:

  • العالم المادي الأول.
  • العالم المادي الثاني.
  • العالم المادي الثالث.
  • العالم الأثيري.
  • العالم الطاقي الأول.
  • العالم الطاقي الثاني.
  • العالم الطاقي الثالث.

ليست الألوان إلا جزءًا من هذه التدرجات وكذلك الأصوات والروائح والكهرباء والمغناطيس والجاذبية وغيرها، وربما الأرقام إلى حدٍّ ما. يكمن الاختلاف في أن العضو أو الشيء القادر على تحسسها يعمل على مجال معين من هذه الاهتزازات.

ثانيًا: المستوى الفكري:

  • العالم الفكري المعدني.
  • العالم الفكري العنصري الأول.
  • العالم الفكري النباتي.
  • العالم الفكري العنصري الثاني.
  • العالم الفكري الحيواني.
  • العالم الفكري العنصري الثالث.
  • العالم الفكري الإنساني.

ثالثًا: المستوى الروحي:

من الصعب كثيرًا وضع اسم لتدرجاته، بل من الأحرى يكون هناك إنقاص كثير بوضع اسم محدد لتدرجاته، وخاصة أن التدرجات تنقسم إلى تدرجات ثانوية وثالثية ولا نعرف تمامًا أين ينتهي الواحد ويبدأ الثاني، ولكن يمكن القول تقريبًا إن هذه التدرجات تحتوي على مستويات الملائكة المختلفة. من الضروري التنويه أن هذه العوالم والمستويات ليست مفصولة بحدود قاسية صلبة، بل هي مجالات متصلة ببعضها، وعليه فالعالم الفكري المعدني متواصل مثلاً مع العالم المادي الطاقي الثالث. باختصار يمكن القول إن المستويات الثلاثة ما هي إلا ثلاث مجموعات كبرى من درجات تظاهرات الحياة، وكلما كانت سرعة الاهتزاز أعلى، كلما انتقلنا إلى مستوى أعلى. وعليه، لا تعتبر الفلسفة الهرمسية المادة كشيء منفصل بحد ذاته، كذلك لا تعتبرها كشيء منفصل عن العقل الكامن في الكلِّ، وإنما ببساطة تعتبرها طاقة باهتزازات منخفضة.

يتألف العالم المادي الأول من أشكال المادة الصلبة والسائلة والغازية. العالم المادي الثاني والثالث يصعب وصفهما تمامًا من قبل علوم الفيزياء المعروفة، وهي درجات أعلى من المادة بشكلها الإشعاعي. العالم الأثيري هو فرضية وجود الأثير، مادة شديدة الليونة والرقة والانسياب في كامل الفراغ الكوني والتي تلعب دور الوسيط في انتقال كل الاهتزازات الضوئية والحرورية والكهربائية والمغناطيسية… الخ، وهي صلة الوصل بين المادة والطاقة (في الحقيقة، تقول المبادئ الهرمسية إن هذا المستوى ككل المستويات له أيضًا 7 تدرجات مختلفة أثيرية).

يحتوي العالم الطاقي الأول على الأشكال المختلفة من الطاقة المعروفة على سبع مستويات أيضًا وهي بالترتيب: الحرارة، الضوء، المغناطيسية، الكهرباء، الانجذاب بكل أنواعه (الجاذبية، الالتصاق، الانجذاب الكيماوي… الخ) ومستويين آخرين غير معروفين علميًا بعد. يحتوي العالم الطاقي الثاني على سبع مستويات أيضًا مما يسمى القوى الطبيعية الناعمة، والتي في طور الاكتشاف. يقترب العالم الطاقي الثالث من المستوى الفكري الأدنى، وبالتالي يحتوي على سبع تدرجات ثانوية أقرب ما تكون لصفات الحياة نفسها.

يشكل العالم الفكري المعدني الحالات والتظاهرات الفكرية التي تشمل ما نعرفه بالمعادن والذرات الكيماوية، وهي طبعًا مختلفة عن الذرات والجزيئات والمعادن بحد ذاتها مثلما جسد الإنسان مختلف عن نفسه من مشاعر وأفكار وشخصية. يمكن تسميتها بالنفوس وهي أعلى قليلاً من الطاقة الحية في المستويات الفيزيائية العليا.

العالم الفكري العنصري الأول والثاني والثالث هي مستويات غير معروفة تمامًا للشخص العادي وبمجرد الحواس العادية وإنَّما فقط للمتنورين، وكل واحد من هذه العوالم يقسم إلى 7 تدرجات ثانوية. العالم الفكري العنصري الأول يأتي بين المعدني والنباتي، الثاني بين النباتي والحيواني، والثالث بين الحيواني والإنساني. ينقسم العالم الفكري الإنساني أيضًا إلى 7 تدرجات ثانوية. لقد مرَّ الفكر الإنساني خلال تطوره خلال ملايين السنين ليصل إلى التدرج الثانوي الرابع حيث يقبع معظم العرق البشري حاليًا، وقد تمكن بعض الأذكياء جدًا من الوصول للتدرج الخامس، وربما فقط عدد قليل جدًا من الوصول للتدرج السادس والسابع.

يحتوي المستوى الروحي كما أسلفت على التدرجات الروحية المختلفة التي تضم كائنات روحية بدرجات ملائكية مختلفة. إن إساءة استعمال هذه الطاقات المتاحة لهذه الكائنات والدخول بمرحلة الغرور هو وراء الأساطير والحقائق المختلفة عن الشيطان ولوسيفر والملائكة الهابطين… الخ.

3- مبدأ الإهتزاز: التذبذب

يجسد هذا المبدأ حقيقة أن كل شيء يتحرك، كل شيء يهتز، وأن لا شيء ثابت، وهي حقائق أكدها العلم الحديث، والتي يميل كل اكتشاف علمي جديد إلى التحقق منها. ومع ذلك أُعلن هذا المبدأ الهرمسي منذ آلاف السنين من قبل حكماء مصر القدماء. يوضح هذا المبدأ أن الفوارق بين التجليات المتعددة للمادة، الطاقة، العقل، وحتى الروح، تنتج إلى حد كبير عن تفاوت معدلات الإهتزاز. من المطلق، وهو روح نقية، وصولاً إلى أضخم شكل للمادة، كلها متحركة، كلما ارتفع الإهتزاز، أصبح المركز أعلى من حيث المستوى. إن اهتزاز الروح يبلغ معدلاً لا محدوداً من القوة والسرعة إلى درجة أنها عملياً ثابتة، تماماً كما تبدو عجلة تتحرك بسرعة وكأنها ثابتة. وفي الطرف الآخر من المستوى يوجد أشكال إجمالية للمادة والتي اهتزازاها منخفض جداً إلى درجة أنها تبدو ثابتة. وبين هذان الطرفان يوجد ملايين وملايين من درجات الإهتزاز المتفاوتة. من الكرية والإلكترون، الذرة والجزيء إلى العوالم والأكوان، كل شيءٍ في حركة اهتزازية. كذلك ينطبق هذا على مستويات الطاقة والقوة ( التي ما هي إلا درجات متفاوتة من الإهتزاز)، وكذلك على المستويات العقلية( التي تعتمد حالتها على الإهتزاز)، وحتى على المستويات الروحية. إن فهم هذا المبدأ، مع الصيغ المناسبة يمكن تلاميذ هرمس من التحكم في اهتزازتهم العقلية وكذلك الإهتزازات الأخرى. كذلك يستخدم الحكماء هذا المبدأ لقهر الظواهر الطبيعية بطرق مختلفة. يقول أحد الكتّاب القدماء ” إن من يفهم مبدأ الإهتزاز قد أمسك بصولجان الطاقة.

4- مبدأ القطبية: الإزدواجية

” كل شيء مزدوج، كل شيء له أقطاب، كل شيء له زوج من الأطراف، التشابه وعدم التشابه هو الشيء نفسه، الأضداد متشابهة بطبيعتها لكن بدرجات متفاوتة، الطرفان يجتمعان، كل الحقائق ما هي إلا أنصاف حقائق، قد يمكن التوفيق بين كل المتناقضات” من كتاب كيباليون. Kybalion لهرمس
يجسد هذا المبدأ حقيقة أن كل شيء هو مزدوج، كل شيء له قطبين، كل شيء له زوج من التناقض، وهي كلها كانت مسلمات هرمسية قديمة. إنها توضح التناقضات القديمة التي حيّرت الكثيرين، والتي ذُكرت على النحو التالي: الإطروحة ونقيضها متماثلان بطبيعتهما، لكن متفاوتان بالدرجة، الأضداد متشابه وتختلف بدرجتها فقط، قد يمكن التوفيق بين زوج من الأضداد، الطرفان يجتمعان، كل شي هو وليس هو في الوقت نفسه، كل الحقائق ما هي إلا أنصاف حقائق، كل حقيقة هي نصف كاذبة، هناك جانبان لكل شيء.. إلخ.

هذا يفسر أن في كل شيء هناك طرفان أو مظهران متناقضان، وأن المتناقضان في الواقع هما طرفان للشيء نفسه مع العديد من الدرجات المتفاوتة بينهما. وللتوضيح: الحر والبرد على الرغم من أنهما متناقضان فهما في الواقع الشيء نفسه، تتألف الفوارق فقط من درجات من الشيء نفسه. أنظر إلى مقياس الحرارة خاصتك وتحقق مما إذا كان بإمكانك معرفة أين ينتهي الحر ويبدأ البرد. لايوجد أي شيء يعرف بالحر المطلق أو البرد المطلق، كلاهما ببساطة يشير إلى درجات متفاوتة من الشيء نفسه. ذلك الشيء نفسه الذي يظهر كبرد أو حر هو مجرد شكل، اختلاف، ومعدل من الإهتزاز. لذلك ببساطة إن الحر والبرد هما طرفان لذلك الذي نسميه الحر، والظواهر المصاحبة لذلك هي مظاهر من مبدأ الإزدواجية. يتضح المبدأ نفسه في حالة النور والظلمة وهما الشيء نفسه: يتألف الفرق من درجات متفاوته بين طرفي الظواهر، أين تنتهي الظلمة، ويبدأ النور؟ ما هو الفرق بين كبير وصغير، بين صلب ولين؟ بين أسود وأبيض؟ بين حاد ومحدب؟ بين الضجيج والهدوء؟ بين مرتفع ومنخفض؟ بين إيجابي وسلبي؟
يوضح مبدأ الإزدواجبة هذه التناقضات، ولا يمكن أن يحل أي مبدأ آخر محله. ينطبق المبدأ نفسه على المستوى العقلي. دعونا نأخذ مثالاً فطرياً ومتطرفاً وهو الحب والكراهية، حالتان عقليتان مختلفتان تماماً ظاهرياً، لكن مع ذلك هناك درجات من الحب ودرجات من الكراهية ودرجة وسطى والتي نعبر عنها بكلمتي ” ود ونفور” والذان يضللان بعضهما البعض إلى درجة أننا في بعض الأحيان نحتار لمعرفة ما إذا كنا نود أو ننفر أو لا هذا ولا ذاك. وكلها ببساطة درجات من الشيء نفسه، كما سترى إن كنت ستفكر للحظة فقط. وأكثر من هذا( وهو يعتبر ذو أهمية أكبر من قبل الهرمسيون) إنه من الممكن تغيير ذبذبات الكراهية إلى ذبذبات محبة، قي عقل الشخص وعقول الآخرين. العديد منكم، ممن سيقرأ هذه السطور، كان لديكم عدة تجارب شخصية عن الإنتقال السريع اللاإرادي من المحبة إلى الكراهية، وبالعكس في حالتكم الخاصة وحالة الآخرين. ولذلك ستدركون إمكانية تحقيق هذا بالإرادة من خلال استخدام الصيغ الهرمسية. الخير والشر ما هما إلا طرفان للشيء نفسه، ويعرف الهرمسي استخدام طرق تحويل الشر إلى خير عن طريق تطبيق مبدأ الإزدواجية. باختصار إن فن الإستقطاب يصبح حالة من الكيمياء العقلية يعرفها ويمارسها معلمي الهرمسية القدماء والمعاصرين. إن فهم هذا المبدأ يمكّن المرء من تغيير إزدواجيته بالإضافة إلى ازدواجيات الآخرين، إن كان سيكرس الوقت ويدرس الضروري لإيجادة هذا الفن.

5- مبدأ التناغم

“كل شيء يتدفق، للداخل والخارج، كل شيء له مد وجزر، كل شيء يرتفع ويسقط، يظهر تأرجح عقرب الساعة في كل مكان، مقدار التأرجح إلى اليمين هو مقدار التأريج إلى اليسار، الإيقاع متكافئ”. ( الكيباليون)
يجسد هذا المبدأ أنه في كل شيء ظاهر هناك حركة منتظمة إلى الأمام والخلف، منبع ومصب، تأرجح للخلف والأمام، حركة شبيه ببندول الساعة، مثل جز ومد الأمواج، هناك أمواج مرتفعة وأمواج منخفضة بين الطرفين الذين يتواجدان وفقاً لمبدأ الإزدواجبة. يوجد دائماً فعل وردة فعل، تقدم وتراجع، اررتفاع وانخفاض. هذا متعلق بإمور الكون، العوالم، البشر، الحيوانات، العقل، الطاقة، والمادة. هذا القانون جلي في خلق وإفناء العوالم، في نهوض وانهيار الأمم، في حياة كل الأشياء وأخيراً في الحالات العقلية للبشر ( وفي هذا الأخير يجد الهرمسيون أن فهم المبدأ هو الأهم) لقد فهم الهرمسيون هذا المبدأ و أحكموا تطبيقه الشامل، وقد اكتشفوا أيضاً بعض الوسائل للتغلب على آثاره في أنفسهم باستخدام صيغ وأساليب مناسبة. فهم يطبقون قانون الحياد العقلي. لا يمكنهم إلغاء هذا المبدأ أو أن يتسببوا في إيقاف تطبيقه، لكنهم تعلموا كيفية الخلاص من تأثيراته على أنفسهم إلى درجة معينة معتمدين على إتقان المبدأ، لقد تعلموا كيفية استخدامه بدلاً من أن يتم استخدامهم من قبله. بهذه الطريقة وبطرق مشابهة تتشكل طرائق الهرمسيون. الخبير بالمبادئ الهرمسية يغير نفسه عند المرحلة التي يرغب عندها بالراحة ثم يحايد التأرجح المتناغم للبندول الذي من شأنه أن ينقله إلى الطرف الآخر. كل الأشخاص الذين بلغوا أي درجة من السيطرة على النفس يفعلون هذا إلى حد ما، ودون إدراك تقريباً، لكن المتفوق يفعل ذلك بإدراك وباستخدام إرادته، وتحقيق درجة من التوازن والثبات العقلي الذي يكاد يكون مستحيل التصديق من جانب الجماهير الذين يتأرجون للأمام والخلف مثل بندول الساعة. لقد تمت دراسة هذا المبدأ ومبدأ الإزدواجية عن كثب من قبل الهرمسيين، كما أن طرائق مواجهتهما و محايدتهما واستخدامهما تشكل جزءاً هاماً من الكيمياء العقلية لدى الهرمسيين.

6- مبدأ السبب والنتيجة

“كل سبب له نتيجته وكل نتيجة لها سببها، كل شيء يحدث وفقاً لقانون. الصدفة هي مجرد إسم يطلق على قانون غير معروف. هناك عدة مستويات من العلاقات السببية، لكن لا شيء ينجو من هذا القانون” الكيباليون
يجسد هذا المبدأ حقيقة أن هناك سبب لكل نتيجة، ونتيجة من كل سبب. يوضح هذا المبدأ أن كل شيء يحدث وفقاً لقانون، أن لا شيء يحدث أبداً ببساطة، أنه لا يوجد شيء يسمى صدفة، وأنه في حين يوجد العديد من مستويات السبب والنتيجة فإن أكثرها سيطرة هو أضعفها، مع ذلك لا يوجد أي شيء على الإطلاق ينجو من هذا القانون. يعرف الهرمسيون فن وطرائق التسامي فوق المستوى العادي لمبدأ السبب والنتيجة إلى حد ما، وبالإرتقاء عقلياً إلى مستوى أعلى فإنهم يصبحون المسببين بدلاً من النتائج. ينتقل الناس مذعنين للمحيط، رغبات وإرادات الآخرين أقوى من أنفسهم. تنقلهم الوراثة والإيحاءات وأسباب خارجية أخرى مثل البيادق على رقعة شطرنج الحياة. لكن الخبراء يرتقون إلى مستوى أعلى، يسيطرون على طباعهم، صفاتهم، خصالهم وقدراتهم بالإضافة إلى البيئة المحيطة بهم ويصبحون الناقلين بدلاً من أن يكونوا بيادق، إنهم يساعدون على لعب لعبة الحياة بدلاً من أيتم تحريكهم واللعب بهم بواسطة إرادات وبيئات أخرى. إنهم يستخدمون المبدأ بدلاً من أن يكونوا أدواته. يمتثل المتقن لسببية المستويات الأعلى، لكنها تساعده على السيطرة على مستوياته. في هذه العبارة كُثفت ثروة المعرفة الهرمسية، فليقرأ من يستطيع.

7- مبدأ النوع: الجنس

” يوجد تنوع في كل شيء، كل شيء له أصول مذكرة ومؤنثة، يظهر النوع على كل المستويات” (الكيباليون)
يجسد هذا المبدأ حقيقة أن النوع متجلي في كل شيء، الأصلين المذكر والمؤنث فعالين دائماً، لا ينطبق هذا على المستوى المادي فحسب، بل على المستويات العقلية وحتى الروحية. على المستوى المادي: يظهر المبدأ على شكل الجنس، على مستويات الأسمى يأخذ المبدأ أشكال أسمى، لكن المبدأ يبقى نفسه دائماً. لا يوجد خلق، مادي، عقلي، أو روحي ممكن دون هذا المبدأ. إن فهم قوانينه سيسلط الضوء على عدة مواضيع حيّرت عقول البشر. يعمل مبدأ النوع دائماً في اتجاه التكاثر، الإنبعاث الروحي والخلق. كل شيء وكل شخص يحتوي على العنصرين أو الأصلين، أو أن هذا المبدأ يوجد داخل الشيء، داخله، وداخلها.

كل شيء ذكر يحتوى على العنصر الإنثوي، كل أنثى تحتوي على العنصر الذكوري. إذا كنت ترغب بفهم فلسفة الخلق الروحي والعقلي، التكاثر، الإنبعاث الروحي، ينبغي عليك أن تفهم وتتعلم هذا المبدأ الهرمسي. إنه يشمل حلول العديد من أسرار الحياة. نحذركم أن هذا المبدأ لا يحمل أي إشارة لممارسات أو تعاليم النظريات المتعددة الوضيعة الخبيثة، المهينة، والشهوانية، التي يتم تعليمها تحت أسماء وهمية، وهي بغاء مبدأ النوع الطبيعي الرفيع. هذا الإحياء الوضيع للأشكال الفاضحة القديمة من الوثنية يميل إلى تدمير العقل الروح والجسد. لقد أطلقت الفلسفة الهرمسية دائماً علامة تحذير ضد هذه التعليمات المهينة التي تميل نحو الشهوة، الفجور، وإفساد مبادئ الطبيعة، إذا كنت تسعى إلى مثل هذه التعليمات عليك الذهاب إلى مكان آخر. بالنسبة لهم الهرمسية لا تحتوي شيئاً لك يشبه ذلك. بالنسبة للشخص الطاهر كل الأشياء طاهرة، بالنسبة للوضيع كل الأشياء وضيعة.

هدف الحياة بحسب المفاهيم الهرمسيَّة:

قد يتساءل السائل في النهاية: “هذه فلسفة جميلة أو قبيحة، ولكن في النهاية ماذا تهمُّني وماذا تؤثِّر على حياتي، وأصلاً ما هدف الحياة ولماذا كل هذا العناء والتعقيد؟ هذا السرُّ أقلق جلجاميش ومعظم أبطال الأساطير الإغريقيَّة والفرعونيَّة وما بين الرافدين والهند والصين والهنود الحمر وغيرها.

تجيب الهرمسيَّة والعلاج بأمواج ثيتا وكثير من العقائد والمدارس على هذا السؤال بالشكل التالي تقريبًا:

– أولاً: إن تكوُّن الحياة الماديَّة هو مسرى طبيعي لانخفاض الطاقة الكونيَّة وتكثُّفها المستمرِّ وانخفاض اهتزازها.

–  ثانيًا: إن الحياة الأرضيَّة تعطي – على ما يبدو– فرصة ذهبيَّة للارتقاء بالطاقة والنفس والعقل والمستويات الأخرى إلى مستويات أعلى من خلال قوَّة الإرادة ومن خلال هذا الالتقاء بين الروح والجسد وتشكيل النفس، فمن خلال التحام الإرادة مع المحبَّة – كما ذكرت سابقًا – تنجم طاقة كهرطيسية كبيرة، تستطيع توجيه الفكر إلى عوالم وعوالم أعلى، لا يمكن أن تؤمِّنه المستويات العليا والتي يصعب الانتقال منها إلى مستويات أعلى بسبب عدم وجود الوسائل اللازمة ومنها قوَّة الإرادة.

–   ثالثًا: لقد أعطى كتابي الموتى التيبيتي والمصري شبه مخطَّط طريق للحياة بعد الموت، وإن العمل على هذا خلال حياتنا الأرضيَّة وبقوَّة الإرادة يساعد – حسب زعمهم– على كيفيَّة توجُّه الروح بعد الوفاة إلى المستويات العليا.

–   رابعًا: إن قصَّة النبي آدم لها دلالة كبيرة، فهو حاول – متأثِّرا بإبليس – أن يحصل على الحكمة مباشرة من أجل الأنا فقط، بدون محاولته القيام بالمراحل والتطوُّرات التدريجيَّة الروحيَّة المطلوبة، أو القيام بالتزاوجات بين فرعي الكابالا بين القسوة والرقَّة، التواضع والفخر، العقل والحكمة، بل أراد فقط أن يصل بسرعة وينافس الله عزَّ جلاله، كما فعل إبليس.

يقول عمر الخيَّام: “كن سعيدًا من أجل هذه اللحظة، فهذه اللحظة هي حياتك بأكملها”، ويقول أيضًا: “كان هناك الباب الذي لا مفتاح له، وكان هناك الحجاب الذي لا أستطيع الرؤية من خلاله”.

 ويقول جلال الدين الرومي: “دع الصمت يأخذك إلى لبِّ الحياة، فكلُّ كلامك لا قيمة له عند مقارنته بهمسة من همسات الحبيب”.

 ويقول حافظ الشيرازي: “إبق قريبًا من كل شيء، يجعلك سعيدًا أن تكون حيًّا”، وأيضًا: “منذ سمع الفرح اسمك، ركض في الشوارع باحثًا عنك”، وأيضًا: “الخوف هو أقذر الغرف في البيت، أتمنَّى أن أستطيع رؤيتك تعيش في غرفة أفضل”.

 يقول السيِّد المسيح:” أن تكونوا في هذا العالم ولكنّكم لستم من هذا العالم”.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى