اسرارية الفلسفة الرمزية للعشيرة
إن الدائرة المرسومة من قبل مبدع ومهندس الكون الأعظــم لاتُحـّد ولا تُدرك ضمن خطوطاً وهمية أو في الأيام أوالفصول عبر الأجيال بل هي أسمى وأعمق. هي تــلك الحركـة التي تعطي مشاهداً مستمرة ومتجددة، وإذا تعمقنــا بتفاصيلها لثـار إٍعجابنا. فعند البداية وجد العـقل الكلـي ومنه كان كل شيء ونقصـــد به النور الحقيقي الممد بعين البصيرة كـل فضيلـة وُجد الشرّ، والذي اختلط مع الخير لإنّه منه وجد وتحدّر لدرجة إنــّه أصبح هــذا الخليط جسماً واحداً هو الإنسان.
من المعروف ان البنائية تركز على المحافظة على الأسرار الخاصة، وعند القسم يتم التركيز على عدم البوح بها تحت طائلة قطع العنق، وجذ اللسان.
ما هو هذا السر في مفهوم البنائية؟
ولماذا يجب المحافظة عليه؟
ما هو العنق بالنسبة إلى السر في المفهوم البنائي؟
السر: يمثل الجسد، والجسد عند البنائين هو الهيكل، والهيكل يرمز إلى الإيمان.
العنق: يمثل الصدق وعلى الإنسان أن يحافظ على عنقه بصدقه التام، حيث يقال في الحكمة الهندية وحسب المفهوم الفلسفي ما تفسيره “الصدق من الإيمان كالرأس من الجسد” والحكمة العربية في قولها المأثور: “رأس الحكمة مخافة الله” والخوف لا يكتمل ما لم يسبقه إيمان، ومن لم يكن بلسانه صادقاً فهو في القلب اكذب يقيناً، ولا يدخل الايمان إلى قلب كاذب ابداً. من هنا من عرف السر. عرف نفسه ومن عرف نفسه، عرف ربه ودخل إلى هيكل الإيمان الصادق عندها يحق فيه القول من إنتسب إلى قوم لا يأتي بافعال اضدادهم، وإذا أتى بافعال اضدادهم وجب قطع عنقه أو جذ لسانه، إي قطع العنق الكاذب فيه. ايضاً اللسان هو ترجمان القلب لذا اجتذاذ اللسان الكاذب هو أولى الواجبات ليتطهر القلب بالصدق ويدخل إليه الإيمان الصادق. فعندما يفقد الإنسان صدقه فقد إيمانه وبفقدانه إيمانه حكماً يكون قطع العنق من الجسد وخرج من هيكل الصدق والإيمان.
أما السيف الذي يوضع على عنق الطالب عند دخوله للتكريس، والقول له ادخل على حد هذا السيف، وكذلك عند إعطائه النور يشهر الإخوان سيوفهم نحوه ويفسر المحترم ذلك أن هذه السيوف تحميك ما كنت صادقاً ملتزماً بعهدك وقسمك. وهي مستعدة لقطع وصالك إذا نكثت عهدك وخنت الأمانة.
أن العشيرة البنائية الحرة ليست عصابة او تنظيم إرهابي أو جماعة تتستر بضواهر الأمور؛ بل هي مجموعة ممن أراد الاستنارة بحقائق الأمور ولا يدعون بامتلاكهم الحقيقة بل يؤمنون بالبحث الدائم عنها ويعلمون أنها أقرب إلينا من حبل الوريد . لذلك وانطلاقاً من الوعي الفكري الذي تتمتع به هذه الجماعة كان لها استنباطات كثيرة لتفسير الرموز الموصلة إلى مفاتيح الأسرار وأعتمدوا قاعدة الدائرة العقلية المنطقية المتبعة في ناموس الأخيار.
فالسيف وحسب تلك القاعدة يمثل الحكمة التي من واجب كل بناء حر أن يتسلح بها ويتدرب على استعمالها ليحسن الأداء. فعندما يدخل الطالب للتكريس على حد السيف، من المفترض أن يعلم ويعلم ويدرب على استخدامه لتنير الحكمة المرموزة به قلبه وعقله ليكون حاضراً لمشاركة إخوانه الوليمة الروحية واستقبال شعاع النور المقدس المتمثل بالمعرفة الإلهية. أما سيوف إخوانه المشرعة عند إعطائه النور فهي لتكون إلى جانبه ومساعدته على اجتذاذ الجهل منه ونصرته بالابتعاد عنه، كما وأنها ساهرة على حماية اسرارية العلوم وجاهزة دائماً لإبعاد كل دخيل. لاخوفاً على الحكمة منهم. بل خوفاً على اجتذاب نفوس إخوانهم للدرك الأسفل. لانغماسهم في العالم المادي الفوضوي الغير منظم لأنه من صنع الإنسان ويبعد الطالب عن حقائق الأمور.
من هنا على البناء الحر أن يستخدم سيفه لاجتذاذ جهل النفوس حيث قيل في هذا “الشجاع من ملك غضبه عند الشدة واستخدم عقله بحكمه”. والبناء الحر هو دوماً شجاع مقدام لا يهاب لأن سلاحه الحكمة المستقاة من عشيرة صادقة وحكمته المحبة والرأفة والسماح المقرون بالإيمان الصادق. من الممكن للإنسان أن يقبل الحياة كما هي، وبهذا يكون ذاك الحيوان الناطق أو الجماد الصامت. وهناك من تضايقهم غموض الاشياء ويريدون معرفة كل شيء دفعة واحدة. عبثاً يحاولون لانهم لا يتمتعون بنعمة الصبر والصمت لإدراك أسرار الوجود. فمثلهم مثل الأطفال اللذين يكثرون الأسئلة على ذويهم، ولا يدركون تفسير الأجوبة فيخالون أنفسهم أنهم أذكى من أن يفسر لهم وهم وحدهم المدركون. ويهيمون في الحياة محاولين التأمل لإدراك المزيد ودون مساعدة أحد ظناً منهم لا معين لهم ورغبة باكتشاف الأمور بأنفسهم. منهم من ينجح إذا دخل التأمل الصامت، ويكون أفكاراً لها معان منطقية لكل ما راقبه. لكن هذه النظرة غالباً ما تكون خادعة كونها نتيجة عن قناعات مبكرة لذا يجب التنبه إلى عدم الادعاء بامتلاك الحقيقة، فمن لم يكن له مرشد يدربه ويعلمه ويهديه فهو بمنزلة الابن بلا أب.
حيث المطلوب من الطالب الحفظ في الذاكرة لما يلقن إليه من علوم ويتعلم فن الاستماع والتحليل الصامت لتتكون عنده قوة الصبر وفن ربط العلوم، كون البنائية تحاول أن تبني فيه أولاً الاعتماد على استخدام العقل والتحرر من الأفكار المادية قبل أن يدخل إلى رحلة المسار الطبيعي للبنائية الحرة.