الشيطان للضرورة وليس للضرر
الله سبحانه وتعالى، كتب لنا الجنة وكتب لنا النار
وكل منهما لمن يسلك سبيلها
لا عجب أن تختلف المفاهيم بين شخص وآخر. والشخص مختلف عن ذاته، كما الحقيقة مختلفة عن ذاتها بالنسبة لتناقضنا. فكل شخص يراها من جانب، وتختلف الصور باختلاف الجهات والأبعاد والأزمان، والفروق في قدرات الحواس، وتصويب العقل.
لكننا نتفق جميعاً في الميزان المادي، عندما يستقيم الوزن فيه؛ الميزان هو عبارة عن ثلاثة مواقع: كفة اليمين، كفة الشمال، اللسان في الوسط، وهو الشاهد قمة المثلث. في عندما يوضع العيار في إحدى الكفتين، مثقال خمسین غراماً مثلاً. ويوضع في الكفة الثانية ذهباً حتى يستقيم الوزن. فيكون وزن الذهب خمسين غراماً. أما الثقل فيكون مئة غرام في الكفتين عند الشاهد. قد يوضع الذهب على الشمال والعيار في كفة اليمين. وقد يكون العكس و في كلا الحالين سيان لأن النتيجة واحدة.
ولكن تنفيذا لقصد الله تعالى، والتزاماً بقانون الكون، يجب أن يكون العيار الوازن في كفة الشمال، والموزونات في كفة اليمين. وذلك استشهادا بآيات القرآن الكريم: سورة الواقعة (فأصحَٰب الميمنة)، (عربا أترابا – لأصحاب اليمين) (وأصحاب الشّمال) (في سموم وحميم).
في ميزان الأعمال، توزن الحسنات بالسيئات. النصف الحسنات في كفة الرحمن عن اليمين، والنصف السيئات في كفة الرجيم عن الشمال، والنصفان کامل الأعمال عند الرحيم الشاهد. وتختلف النسب قبل الوزن بين الحسنات والسيئات والمزيج. فيكون عيار الشيطان الرجيم هو الثابت الوازن للموزونات على اختلافها. وعلى هذا الأساس نفهم أن إبليس إن وجد للضرورة وليس للضرر، لسبق إبداع العقل، ولوجوب تولید النتائج من الأزدراجات، لأن قانون الكون قائم على ثنائية النقيضين.
ويا للفرق الشاسع بين ميزان الحديد الذي توزن عليه الشاحنات بعد تحميلها بالحديد، حدید فوق حديد، و میزان النور القائم بذاته في جوهر العقل، نور على نور، والله يهدي لنوره من يشاء. الميزان الذي ورد ذكره في السورة “الرحمن“.
ومن خلال الآيات (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) – ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فَبَصَرُكَ اليوم حديد) ندرك معنى حديد البصر، بأنه ليس المعدن، بل هو مجاورة الحقيقة بحدة البصر، وحدة الإدراك، وليس نزول معدن الحديد والميزان المعدني مع الرسل من السماء، إنما هو میزان العقل، وميزان العلوم، و میزان رؤيا يوحنا اللاهوتي عليه السلام، وميزان كوكب الأرض كفته الشرقية في فرموزا، وكفته الغربية في برمودا، لسانه الشاهد في القاهرة على نصف المسافة بين المثلثين عند مثلثات هرمس – عليه السلام -. على ذات النمط تظهر حاسة البصر في وجه الإنسان. عين اليمين، وعين الشمال، أما الشاهد فهو محجوب فوق العينين في قمة المثلث، وهو موقع العين الثالثة، عين البصيرة الضوئية.
بناء على ذلك نرى أن الكون بدأ بنواة إلهية ثلاثية العناصر الجوهرية. تفجرت بثلاث طاقات حرکت المادة وكيفتها، فعلت طاقة العقل الشكل الدائري، وعملت طاقة النفس الشكل الكروي، ورسمت طاقة الروح المسار الفلكي أول جسم ظهر إلى الوجود هو الكروي وتحرك بالحركة دائرية التي أفضل الحركات.
عندما نمارس قدرة ما فوق الحواس ونرى صورها المعقولة، التي تبثها إلى دائرة العقل، ندرك الحواس تنخدع والعقول تتضلل.
لذلك يجب أن نتحرر من قيود واقع المحسوسات المعقولة كما نسميها. فنخترق حدودها الآسرة للحواس، التي تزود العقل بالصور المركبة، فندخل مجال بحر الخيال، حيث الأصل المطلق للصور، ذلك القائم في بحر علوم ما فوق العقل البشري ؛عندئذ يتدرج العقل بالمعقولات الجوهرية، وصولاً إلى صلب الحقيقة السامية.
إذا نظر جاهل متكلم إلى حکیم صامت، فيرى المسافة المعرفية بينهما ضئيلة، في حين أنها جداً شاسعة. أما الحكيم، الذي بخلاف الجاهل، فيراها أيضا ضئيلة، كيف؟ الفيلسوف الحكيم ، كلما أبحر في العلوم ، كلما البحر اتسع وأمامه. أما من الناحية المعرفية والإنسانية، فكلما اتسعت آفاقه، اتسع صدره ليحتوي العالم بأسره.
إن ضجيج الصور الأرضية على اختلافها، أقرب إلى العقل من سكون السماء الصافي اللطيف. لذلك نرى الجاهل فرحاً بما يعرفه من علوم الأرض، مهما كانت ضئيلة. بينما الحكيم ربما ختم علومها، وهو صامت يتلقى قبسات واحة النور السرمدي .
هل الذي يعيش يوماً في قعر بئر، كالذي يعيش ساعة قرب جدول، يسقي زهيرات مروج ، يفوح عطرها صعوداً عبر خيوط الشمس، رائحة سرور للرب؟