بروتوكولات حكماء صهيون وكتاب حوار في الجحيم
بروتوكولات حكماء صهيون باختصار عبارة عن مجموعة من النصوص عددها ٢٤ نصاً تقريباً تتمحور حول خطة لسيطرة اليهود على العالم تعتمد هذه الخطة على العنف والحِيَل والحروب والثورات وترتَكز على التحديث الصناعي والرأسمالية لتثبيت السلطة اليهودية على العالم وتظهر البروتوكولات أيضا أن الماسونية بصورة غير مباشرة هي جزء من خطة حكماء اليهود للهيمنة على العالم ( كجزء من الافتراءات الكثيرة حول الماسونية)
ظهرت أول نسخة من بروتوكولات حكماء صهيون على يد الكاتب الروسي سيرغي نيلوس عام 1903 في روسيا القيصرية وكان الإعداد في ذلك الوقت قائما على قدم وساق للثورة ضد القيصر الروسي نيقولاي الثاني والتي رفع يهود كثيرون رايتها ولذا كانت الشرطة السرية الروسية تلاحقهم مستخدمة وسائل التحريض الفكري والدعاية ضدهم وقد تفتقت مخيلة بطرس راتشكوفسكي رئيس قسم عملاء الخارج عن ضرورة الربط بين المؤامرات اليهودية والثورة على العرش الأرثوذكسي وبدا مناسبا لذلك كتاب حوار في العالم الآخر أو حوار في الجحيم بين ماكيافيللي ومونتيسكيو الذي ألفه الأديب والمحامي الفرنسي موريس جولي بصورة حوار افتراضي بين هاتين الشخصيتين اللتين باعد بينهما الزمان والمنهج في التفكير والكتاب هو هجاء سياسي احتجاجًا على نظام نابليون الثالث والمعروف أيضا باسم لويس نابليون بونابرت الذي حكم فرنسا خلال الأعوام من 1848 وحتى 1870 فهو يشير باختصار شديد إلى ما تستعمله الحكومة من وسائل لتضليل الرأي العام وتحويل أنظاره إلى مسائل غير التي تخصّ معاشه اليومي واهتماماته
ومن الطبيعي أن يكلف راتشكوفسكي عميل الشرطة السرية الروسية ماتفيي غولوفينسكي المقيم في باريس بإعداد البروتوكولات المزورة
حيث قام غولوفينسكي هذا باقتباس أكثر من نصف كتاب المؤلف الفرنسي وبتحويره وأضاف إليه بلغة فرنسية ركيكة الفصول الباقية وتحول الحوار الفلسفي المفترض بقدرة قادر إلى محاضر لاجتماعات القادة اليهود أو حكماء صهيون السرية للسيطرة على مقدرات العالم
إن الكثير من العلماء والأدباء اليوم يؤمنون بأن بروتوكلات حكماء صهيون وثيقة ملفقة ولا أساس لها من الصحة ولا تعدو كونها عمل ادبي ركيك وكانت المرة الأولى التي أثيرت فيها مسالة تلفيق البروتوكلات عام 1921 بعدما قام محرر بريطاني بترجمتها ونشرها في صحيفة تايمز البريطانية ولكن رئيس تحرير تايمز أكتشف التشابه المريب بين البروتوكلات وأعمال أدبية سابقة شاعت في فرنسا فأوقف النشر وقدم اعتذاراً لقرائه
أما هذه الأعمال الأدبية السابقة التي انتحلت منها البروتوكلات فقد تتبعها عالم اللسانيات الإيطالي أومبرتو إكو ليكتشف أنها منتحلة فعلا من عمل أدبي للمحامي الفرنسي موريس جولي عام 1864 بعنوان حوار في الجحيم بين مكيافيللي ومونتيسكو
و كَشفت الدراسة أن موضوع هذا النص وهمي فالبروتوكولات ما هي إلا انتحال سيئ للكتاب المذكور الذي نُشِرَ في بروكسل عام 1864 م
ويصبح الخداع واضحاً من خلال مُقارنة بسيطة بين نص الكتاب ونص البروتوكولات و هذا ما أوضحه أيضاً بيار شارل الكاهن اليسوعي البلجيكي والعالم اللاهوتي من خلال دراساته النقدية لها
وقد قام الكاتب الألماني هرمان جودشه باقتباسها في رواية عنوانها بيارريتز ونشرها عام 1868 وفي هذه الرواية بالذات يقدم الكاتب مشهد تخيلي في فصل عنوانه في المقبرة اليهودية في براغ حيث يجتمع أثنى عشر حاخام يمثلون القبائل اليهودية الإثني عشر اجتماعا يعقد مرة كل قرن للتشاور حول خطتهم لتملك العالم وهذا المشهد هو الذي سوف يصبح أساس نص بروتوكلات حكماء صهيون
وقد أكد عالم الأدب الروسي وخبير الانتحالات الأدبي سيزار دي ميكالي أبحاث الايطالي أكو وقام مع فريق عمل من جامعة نبراسكا الأمريكية بدارسة مقارنة للبروتوكولات والنصوص التي يفترض أنها قد اقتبست منها ليثبتوا أن ما لا يقل عن 15% من البروتوكلات منقول نصًا عن عمل موريس جولي المذكور سلفًا ويجب الإشارة في هذا الموضع أن عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد في تحقيقه للترجمة العربية للبروتوكلات قد أشار إلى أنها ملفقة
وانتشرت البروتوكولات شيئا فشيئا في أرجاء المعمورة ولم تبق لغة في العالم لم تنقل إليها وقد ظهرت عشرات الطبعات من هذه الخرافة الخالدة في العالم العربي كانت أولاها في مصر عام 1951
وعلى الرغم من تقرير إحدى محاكم جنوب إفريقيا بتاريخ (21 / 08/ 2015) ومحكمة بيرن السويسرية بتاريخ (14/ 05/ 1935) وإحدى محاكم موسكو عام 1993 باختلاق الكتاب فإنه يبقى حتى يومنا هذا أكذوبة حية لا تموت .
القلم الحديدي 20/9/2020