رحلة العقل البشري
من المعلومات الهامة، أن جمجمة الإنسان مؤلفة من أربعة عظام مركبة. والعين تتحرك في كل الاتجاهات، بواسطة أربع عضلات، والقلب ايضاً يعمل بواسطة أربع بطاريات طبيعية. وفي داخله أربعة تجاويف.
كثير من الآيات التي تحثنا على التأمل في موجودات هذه الطبيعة و تراتبها. فنلاحظ أن الحيوان ملتزم بالمرتبة الترابية “الرابعة ” بأطرافه الأربعة. أما الإنسان، فهو ملتزم بالمرتبة الترابية “الرابعة” برجلين، ويقطف ثمار أشجار المرتبة المائية “الثالثة” بيدين. أما الطير، فهو ملتزم بأغصان أشجار المرتبة المائية “الثالثة” برجلين، ويحلق في سماء المرتبة الهوائية الثانية بجناحين.
أما الملاك، الذي رسمه الإنسان، وكأنه يحلق في سماء المرتبة الهوائية بجناحين، ولم يخبر بماذا، وكيف، يحلق في سماء المرتبة النارية “الأولى”. هل تحتاج الملائكة إلى أجنحة؟ … أليست أجنحة الفكر والذات، والروح، هي أجنحة عالم السماء والسمو؟! …
أليس بهذه الأجنحة ينفذ الإنسان من أقطار السموات والأرض، إلى عالم المكان، واللازمان. بصفاء، وبهاء، وبأسرع من سرعة الضوء؟! …
- لقد جاهد الإنسان في سبيل الارتقاء فصنع سيارة، جال فيها مسافات المرتبة الترابية “الرابعة “.
- ثم صنع باخرة، عبر فيها عباب محيطات المرتبة المائية “الثالثة “.
- ثم صنع طائرة اخترق بها غيوم السماء، وحلق في أجواء المرتبة الهوائية “الثانية “.
- ثم صنع مركبة فضائية، اتجه بها نحو الشمس، قاصداً الدوران على فلك المرتبة النارية “الأولى”. وبهذا ظن أنه بلغ أعلى المراتب.
حط رحاله على سطح القمر، متغنيا بعظمة العقل والعلم، وبقهر المسافة الشاسعة ما بين الأرض والقمر. علماً بأنها إذا قيست بالأبعاد ما بين الشمس وكواكبها، ربما تساوي طول إبرة خياطة بالنسبة إلى عالم البكتيريا. أو كخطوة رجل بالنسبة إلى عالم السماء والسمو.
بمفهوم العلماء والعقلاء، يستحيل أن يمرق جمل من خرم إبرة، في حين أنهم مرقوا ومرق بهم الكوكب من ربع خرم إبرة. إلى من يريد أن يرى قدرة الخالق في خلقه أقول: خذ ورقة، وأخرمها بإبرة خياطة وضع الخرم ملاصقاً لعينك، وأنظر فيه، ترى قافلة جمال تمرق مع الضوء، مثلما مرقت نجوم السماء من شعرة نحاس، وظهرت على شاشات التلفزة. كل شيء في هذا الكون، رهن النسبية. الصغير يكبر، والكبير يصغر، في المخيلة وبفضل الضوء والعدسات البلورية.
مراقب علماء الفلك الراديوية، التي رصدت مليارات والكواكب، مهما تطورت، تبقي عاجزة عن النفاذ من جسم الكون، إلى خارج حدوده. يجب أن تقف بعيدة عنه، لتصوره من الخارج، ولتمدنا بصورة، لنرى كيف هو شكل جسم الكون الخارجي.
طوبي للذي ركبة مركبة صفاء الفكر، وصفاء الذات، وصفاء الروح. فاخترق بها حجب الأفلاك، فدار على فلك الخيط الفاصل بين الكون والعدم. ثم وقف على صفحة العدم، فنظر إلى جسم الكون، فرأي كرة ضخمة، تحيط بها ثلاث حلقات أسطوانية، تدور جوف بعضها كعقارب الساعة. أسرعها الحلقة الأولى المحيطة بالكرة. وأبطأها الحلقة الثالثة المحيطة بالكل، وفي وسط الكرة نور شديد الإشعاع.
طوبي للذي عاد، ودخل جسم الكون، فنزل بين كواكب الشمس حتى أدرك زحل فنظر إليه، فرأى كرة صغيرة تحيط بها ثلاث حلقات اسطوانية، تدور جوف بعضها كعقارب الساعة. أسرعها الحلقة الأولى المحيطة بالكرة. وأبطأها الحلقة الثالثة المحيطة بالكل. فأدرك أن كوكب زحل، هو صورة الكون.
رأی تسعة أقمار، سمي أكبرها تيتان. فأدرك أن “تي” هو اسم الحلقة الأولى . و”تا” هو اسم الحلقة الثانية. و”ن” هو اسم الحلقة الثالثة. وهي خلاصة اسقاط التسعات، وبقاء العدد خمسة المكرر بثلاثة “5 5 5” رموز أفلاك حدود العقل والنفس والروح، حول مركز الفجر.
طوبي للذي صعد إلى السماء، فدار حول كوكب زحل ثلاثين سنة، ثم نزل، وأخبر الناس بعلم الفلك. إنما كان صعوده بالروح وليس بالجسد. إن مركبة الروح، هي القادرة على خرق المستحيل.
قال أفلاطون: “الحقيقة ليست في الظواهر العابرة، ولكن في الأفكار السابقة لوجود الكائن“.