الماسونية والحرب العالمية الثانية
الماسونية تلعب دوراً هاماً في الحرب العالمية الثانية:
أطلت سنة 1919 على العالم في جو دولي قاتم برزت في آفاقه أشباح الحرب الكونية الأولى. وكان البناؤون الأحرار في أوج عزتهم واتساع نفوذهم فأرادوا أن يجنبوا الإنسانية هول الكارثة وكادت تنجح جهودهم في إزالة بواعث الخصام بين فرنسا والمانيا، لولا أن القادة العسكريين من أعوان الإمبراطور غليوم الثاني كانوا ينفخون في نار النزاع فيزيدونها ضراماً، ولم يستطع الماسون الألمان أن يتصلوا بإخوانهم في فرنسا للوقوف في وجه دعاة الحرب، والعمل لإنقاذ السلام ، وعلى الرغم من أن غليوم وولي عهده كأنا ينتميان إلى الماسونية فقد تجاهلا نداء أقطاب العشيرة في المانيا، ولم يصغيا لنداء الأستاذ الأعظم للشرق الأكبر في بليجيكا.
لقد كان المارشال جوفر ماسونياً ولكن الجنرال سراي الذي كان يقود حملة سلانيك اعتبر في حينه رئيس الفريق الماسوني في الجيش.
على أن التضامن بين الماسونيين تجلى في اثناء هذه الحرب، وقد استخدمت فرنسا الماسونية لدفع إيطاليا إلى دخول الحرب الى جانب الحلفاء، فإن الماسون الايطالين، خلافاً للاشتراكين المسالمين، إيدوا مبدأ التدخل الإيطالي في جملة الاتصالات “السرية”، قام محافظ روما بزيارة إخوانه الماسونية الباريسيين وبعد 24 ساعة من وصوله تحدثت صحف باريس عن حدوث مفاوضات.
ومنذ سنة 1911 اقترع موسوليني – وهو من إنصار التدخل – في المؤتمر الاشتراكي معلناً فقدان الانسجام تماماً بين الاشتراكية والمبادئ الماسونية.
عصبة الأمم والماسونية:
وفي السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى لعبت الماسونية دوراً سیاسياً مهماً إذ إن عصبة الأمم كانت هيئة من وحي يشبه الماسونية كل الشبه، وكان فيها كثير من الماسون يشغلون ارفع المناصب وأقواها نفوذاً، وان تشيكوسلوفاكيا مدينة بوجودها للبنائين الأحرار الذين ناصروا مازاريك وبنيش على آل هابسبورغ.
والحزب الراديكالي في فرنسا ماسوني ومن أبرز أركانه هریو و دالاديه واشهر الاشتراكيين من الماسون في تلك السنوات هو ماوسو بیفار.
النشاط السياسي في المحافل:
وكان النشاط السياسي بالغ أشده في المحافل الفرنسية عام 1934، وقد نشر بعض المؤلفين الذين درسوا مستندات الشرق الأعظم كتباً حاول فيها أن اثبتوا أنه كان للماسونية موقف معين تجاه إلأحداث التي سبقت الحرب العالمية الثانية 1939 – 1945، مستشهدين على ذلك بالمقررات التي اتخذها مختلف المحافل كما لو أن رأي محفل واحد يعكس رأي الماسونية قاطبة.
والحقيقة أن المحافل مستقلة كل الاستقلال، ويكفي أن كان يعطي المجلس السامي الفرنسي كان يعطي التوجيهات فينفذها البعض دون البعض الآخر، انسياقاً وراء الشعور الوطني المتأثر بدوافع الحرب، وتباين مصالح الشعوب وتغلب روح العداء القديم المتأصل بين فرنسا والمانيا.
ولكن الشيء الذي يمكن الجزم به هو أن البنائين الأحرار في فرنسا كانوا ضد الفاشستية، في 13 شباط 1923 قرر المجلس الفاشستي الأعلى، وكان بين أعضائه ۱۲ ماسونياً، التباين بين صفة الماسوني وصفة الفاشستي، وقد عارض هذا ( القرار 4 منهم).
هتلر بخشی بأس الماسونين الماسونية:
أما في المانيا فإن هتلر حرم الماسونية وراح يضايق ابناء العشيرة الحرة، وقد احتجت الماسونية الأميركية علناً على منع الماسون في إيطاليا والمانيا، وكان البناؤون الأحرار يعتبرون الفاشستية خطرة على حرية الرأي والفكر وحاجز دون انتشار روح الإخاء بين البشر. وقد أعلنوا ابتهاجهم يوم اعلنت الجمهورية في أسبانيا وقامت اتصالات بينهم وبين الجمهوريين الأسبان، بل أن السيد الفارس دلفايو وزير الخارجية في بلنسية وضع حقيبته الدبلوماسية تحت تصرف المحفل الأكبر الأسباني.
ولكن المحافل لم يتفق رأيها في قضية عدم التدخل، وكثير من الجنرالية الذين حاربوا بجانب فرانكو هم من الماسون. وفي عام 1936 اشترك الماسون الفرنسيون في اجتماع الجبهة الشعبية وكان أحد الأساتذة العظام يرتدي الشارات الدالة على درجته، وكان من ابدع المشاهد في ذلك الحين ان يسير مثلو الأحزاب جنباً الى جنب مع الشيوعيين. وبعد بضعة اشهر استقال الأخ كميل سافوار من الشرق الاعظم احتجاجاً على الاشتراك في الكفاح بين الأحزاب السياسية، وانشأ المجلس السامي لجاناً اطلق عليها اسم لجان الدفاع عن الحرية والعلمانية.
بتان يحل الماسونية:
وفي 19 آب 1940 وقع المارشال بتان مرسومة بحل الشرق الأكبر والمحفل الأكبر عملاً بقانون 13 آب الذي يمنع الجمعيات “السرية”، فكان ذلك أخطر الأخطاء السياسية، لأن حكومة فيشي التي كانت تعتبر هذا التدبير عملاً يضمن السلامة الداخلية في فرنسا قد أثارت عليها عدداً كبيراً من السياسيين ذوي النفوذ العظيم في الملحقات. وقد اتهم الالمان عشيرة البنائين الأحرار في فرنسا بالتواطؤ مع الإنكليز لإعلان الحرب إلا إن التحريات التي قام بها اتباع هتلر لم تثبت هذا الزعم الباطل. وكان الفوهرر قد أرسل إلى باريس محققاً خاصاً فقدم إليه بعض الفرنسيين تقريراً ينسب النفوذ الأكبر في السياسة إلى كبار الشخصيات الماسونية أمثال کمیل شوطان ممن لا تصل إليهم يد السلطات الحاكمة فعدل الألمان عن ملاحقة الماسونيين، وحولوا سبق سخطهم وانتقامهم إلى اليهود وحدهم.
تضامن لم يطل عهده:
وقد تجلى التضامن في أثناء الاحتلال الألماني بين الماسون، فلقى الأحرار الفرنسيون الموظفون معاملة طيبة من زملائهم الألمان الذين حرصوا على تحسين رواتبهم وإكرام مثواهم.
ولكن هذا التضامن لم يطل عهده إذ أصدر مرسوم في آب 1941 يمنع الماسون من شغل مناصب عامة في الدولة ولكن هذا المنع لم يكن يطبق بصورة عادلة فقد اتفق أن عزل معلم بسيط بدرجة متمرن بينها بقي في منصبه موظف كبير هو عضو في المجلس السامي.
مقتل الأميرال دارون:
ومن الصفحات المهمة في الحرب ايضاً مصرع الأميرال دارون الذي كان خصماً لدوداً للماسونيين الفرنسيين وقد انتقم منه أحد الإخوان من الشباب المتحمسين فقتله بالرصاص، بعد أن أقسم على أزاحته من الوجود اضطهاده لأبناء العشيرة الحرة وتنکیله بهم.