كنعان بلد المكرسين الكبار (الجزء الثاني)
بلد المكرسين:
كنعان… بدأ التاريخ يعرف كباراً مكرسين، عندما بدأت الحضارة، إذ لا رجال متفوقون إلا في المعرفة والعلم والأخلاق، ولما كان الإنسان الحضاري الأول قد نشأ في كنعان وهذا ما أجمع عليه المؤرخون، فلا شك بأن المكرس الأول كان کنُعَانِي.
سكن يتن:
غاص في الأسرار حتى اللج…
فبقي في الأعماق وبقي سره معه…
لم تكشف التواريخ حتى اليوم عن أسباب الظلمة التي لفتّ هذا الكنعاني الفذّ الجريء، مؤرخ أعرق حضارة في العالم ومفلسف عناصرها بواقعية الرمز، ومرجعاً كل شيء إلى جذور الحقيقة الكبرى التي أخضعها لعقله الخلاق، فكان سكن يتن الرائد الأول لآفاق أسرار الوجود.
فابتلعه الأسرار…
وكاد يظل هو سراً مدفوناً لولا بصيص فور انعكس على أسطر قليلة من بعض محبّيه أو ناقديه، تناوله بعضهم حديثاً يجهل يفوق جهل اليونان والرومان، وتناوله البعض الآخر بمحبة غير قادرة على كشف الحجب وشق ستائر الألغاز…
تحجر المسيحيين الأوائل:
الأقدمين الذين كتبوا في سنکنیتن، فيلون الجيلي الكنعاني، الذي خاف على تراث أسلافه أن يضع وينهب وينتحل، وبورفير (فرفوریوس) الصوري في القرن الخامس بعد المسيح، الذي ذهبت آثاره ضحية تحجر المسيحيين الأوائل. ومن بعض الأسباب التي كانت وراء طمس كل ذکر للمكرس الكبير، كونه ملك أسرار الكون والطبيعة والإنسان، وأعطى النظريات في البدء والتكوين، وفسر العوامل الطبيعة تفسيراً عاماً لم تعرفه البشرية إلا بعد آلاف السنين، وكونه خرق حرمة المعابد، وفضح الخرافات والأضاليل ولما سطر رجال الدين المسيحي على قضايا الفكر والتوجيه، انتحلوا ما راق لهم وأتلفوا كل ما خالف نظرتهم إلى الحياة والكون، فضاع معظم تراث سكنيين الفلسفي والعلمي، في الإنسان والحيوان والنبات، في الفلك والطبيعة، في الجغرافيا والتاريخ. ولولا ترجمات فيلون الجبيلي لفقد العلم أشياء لا تعوض وكنزاً فكرياً ثميناً.
وحتى كتابات اوزيب، التي سبقت ضد بورفير، وأحراق كتب بورفير عن سنکنیتن كانت خسارة أخرى للبشرية جاءت خدمة للمؤرخين مكنتهم من معرفة بعض الشيء عن العبقري الكنعاني، رائد العلم والمعرفة، ينبوع الحكمة، واحد كبار واضعي الأسس التي قامت عليها حضارة أثينا وروما .
اختراع الحرف:
ورد في اوزيب، نقلاً عن فيلون الجميلي، قوله في سنكنين: وأراد سنكنين، قبل أي شيء آخر، معرفة مبادئ الأشياء، وسر كل موجود. وقد بحث في تفسير كتابات “توت” بعد أن ثبت له أن توت هو الذي اخترع الحرف، من دون سائر الذين ولدوا تحت الشمس، وهو الذي بدأ النقش على حيطان المعابد.
ثمة أمر هام في هذا القول، لا بد من الإشارة إليه، وهو أن سنکنین أكد في الألف الثاني قبل الميلاد أن واحدة من الكنعانيين كان وراء أبتکار الحروف الأبجدية، يوم كانت البشرية كلها تغوص في ظلمات الجهل. وما يؤسف له حقاً أن يظل في الألف الثاني بعد الميلاد، من يشك في صحة نسبة هذا الأمر الجليل إلى الكنعانيين. وكم كنت أحب لو أن أحد معلمي يكشف لنا العلاقة الوطيدة الأواصر بين حروف الأبجدية والدين الكنعاني من جهة، وبين الأبجدية وطبيعة الأشياء وأسرار الوجود من جهة أخرى.
وستكنيتن أحاط بعنايته الكبيرة أولاد إيل السبعة الأولين المكرسين في العالم، المكرسين الكبار في كنعان، آباء كنعان والعالم. هؤلاء الذين من سلالتهم ملكي صادق الأورشليمي وكل صدیقو کنعان، معلمو أسرار الألوهة، وکاشفو الحجب.