حضارات قديمة و الماسونية

كنعان بلد المكرسين الكبار (الجزء الثالث)

بلد المكرسين:

كنعان… بدأ التاريخ يعرف كباراً مكرسين، عندما بدأت الحضارة، إذ لا رجال متفوقون إلا في المعرفة والعلم والأخلاق، ولما كان الإنسان الحضاري الأول قد نشأ في كنعان وهذا ما أجمع عليه المؤرخون، فلا شك بأن المكرس الأول كان کنُعَانِي.

حيرام أبي  (900 ق.م.):

رجل ماهر، صاحب فهم، خبير بالذهب والفضة والنحاس والحديد، عالم بالأرجوان والبز والقرمز، يخترع كل شيء يلقى إليه. هذا هو حيرام ابي كما وصفته التوراة هذا الرجل العظيم، جسّد البنائية، وعاش بأسرارها، وقيم رموزها ووضع لها أطاراً زمنياً.

كانت قبله مجرد أفكار ومبادئ وقيم، فأصبحت معه حياة وحركة، عاش فيها واستشهد في سبيلها فحق له أن يكون مؤسس البنائية النظامية: العملية والرمزية معاً، وأن يدعى الشهيد الأول الذي خلد هذه الرسالة معمودية الدم، وأعطاها الزخم المتدفق حيوية في سبيل الديمومة، وطبعها بطابع الخلود.

قصة هذا الرجل ملحمة، حاك المؤرخون حولها أساطير. والواقع أن سليمان، ملك اليهودية، استقدم حيرام أبي من صور إلى القدس ليبني له هيكله، لقد روى “جوار دي نرفال” قمة الزيارة التي قامت بها بلقیس، ملكة سبا إلى القدس، وكيف جاءت لتتعرف سليمان وتقف على حكمته وتشاهد عظمة هيكله، فتعرفت المهندس الأكبر، وما أن شاهدته حتى منها رعشة، واسرتها الرجولة، وذلـّلت كبرياءها سهام النظرات.

هندسة نظام العمل:

طلبت إلى المهندس الأعظم مرافقتها إلى ورشة العمل، فرافقها حيرام أبي إلي حيث يعمل مئات الألوف من العمال، المختلفي الجنسيات واللغات، المتفاوتي الطبقات والعلم والمقدرة والأخلاق. واراها کيف يسوس هذه الجماعة من البشر، هذا البحر الهائج الذي ينصاع لإشارة تاو T)) يرسمها في الهواء. هذه الجموع تتحرك آليا وتتجمع زرافات ووحدات، كلاً حسب اختصاصه ومهنته، المبتدئون في الجنوب، والشغالون في الشمال والأساتذة في الشرق.

وظلت الأدوات التي بها قبل المعلم، والأعضاء التي تلقت الضربات القاتلة، والقتلة أنفسهم، رموزاً خالدة معانيها ومدلولاتها. فالمسطرة التي مست العنق، الدقة في التنفیذ، سددها الرياء إلى مركز الحياة المادية. والزاوية التي سقطت على القلب، الاستقامة في العمل، صوبها الجهل إلى مركز الروح. والشاقول الذي حطم الجبهة، هو تحقيق الكبرياء في مركز الحكمة.

وهكذا تستمر المأساة، من هابيل إلى زكريا إلى عصرنا اليوم. وقال السيد المسيح مخاطباً اليهود: ايتها الحيات أولاد الأفاعي… يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زکریا بن برکیا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح.

وحتى اليوم لم تذكر التواریخ حادثة قتل حصلت بين المذبح والهيكل سوی حكاية حيرام أبي، هذه الحكاية التي يتعلمها ويرددها الماسون في محافلهم في مختلف أنحاء العالم، مرجعين إلى الذاكرة وجهاً من أوفر الوجوه الكنعانية المكرسة، اشراقاً، نبلاً وعظمة.

فيثاغور(590 – 480 ق . م.):    

فاضح الأسرار، ومؤسس أرقي مدرسة فكرية، ومغلف الأرقام، ابن برتنيس الفينيقية، صيداوي المولد، تعمد بحسب الطقس الكنعاني، في مياه النهر المقدس، نهر أدونيس المتدفق من مغارة أفقا.

فيثاغور المعتزل في جبال الكرمل، كما تحدث عنه جمليك العنجري الفقي المكرس على يد كهنة أققا، المتربع على عرش الحكمة، الواقف على قمة المعرفة، المشرف بعقله الراجح المتزن على أسرار الألوهة والكون والحياة. رأى النور في صيدا، وتزود بالمعرفة. مجد بعل أشمون، وتعلم مبادئ الطب والفيزيولوجيا على يد موخوس صاحب نظرية الجوهر القرد (الذرة).

وفي مصر تعرف کهنة ممفيس، ومنها أقتيد أسيراً إلي بابل، بعدما غزا قميز مصر، فأمضى هناك زهاء عشرة أعوام في الحبس، وأطلق سراحه على يد أحد أصحابه، طبيب الملك. عاد إلى ساموس واليونان، واستقر نهائياً في كريتون حيث أسس مدرسته فكرية. مات حرقاً في “معبد الحوريات”، عن عمر يناهز التسعين.

هل صدقت العرافة؟

تنبأت عرافة “دلفي”، لوالد فيثاغورس بأن أبنه سيكون نافعاً لكل إنسان في كل زمان ومكان. فقد استهوت فيثاغورس أسرار الحياة بطبيعتها المثلثة: (الإله ، والإنسان والطبيعة)؛ يقول في كتابه الذي خطه بيده “Hieros Logos” بان التطور قاعدة الحياة، والعدد قاعدة الكون، والوحدة قاعدة الخالق.

مال إلى الهندسة، تبحر في قواعدها، تأمل أشكالها وأعطى النظريات الخالدة في مثلثاتها ومربعاتها ومكعابتها؛ درس الديانات وعجائبها وأسرارها ورموزها خلص إلى الاعتقاد أن الإله روح لا تتجزأ، ووحدة تسع اللانهاية، فالنفس تخضع لتقمصات عديدة حتى التحرر الكلي من الجسد، وتعود لتحد بالنفس الكبرى “المايا”.

وكانت مدرسته في کرينون – التي أحرقت ومات فيها “معبد الحوريات”، ومعهداً ومدينة، تعاليمها سرية، لا بدخلها إلا المكرسون ، والمنتسبون إليها بدون اخوانا.

لهذه المدرسة شروط انتساب صعبة وقاسية. ومراحل انتماء تطول حتى يبلغ المنتسب مرحلة الفخر بان يصبح فيثاغورسياً. فالمرحلة الأولى فرضت على الطالب تجارب جسدية ، كان يمضي ليلة في کهف أو مغارة ، يقاسي فيها أهوال الرعب من تأملات الأشباح وتخیلات الأرواح المخيفة. فإذا تخطى هذه التجربة ناجحاً، انتقل إلى المرحلة الثانية، مرحلة العذاب النفسي فيعانيه في غرفة مظلمة، كئيبة، خالية حتى من السكون، يعيش بالخبز والماء، ويدون ملاحظاته بشأن الرموز اليثاغورسية. وما أن يطلع الصباح ويخرج الطالب خائر القوى، محطم الأعصاب ، حتى يواجهه رفاق له يمطرونه بوابل من الأسئلة المحرجة. فإن كان ثبت الجنان، فاز بالامتحان، وإن خارت قواه، أبعد عن الهيكل.

فالدرجة الأولى، درجة التجارب والامتحانات، والثانية درجة معرفة بعض الرموز و أسرار العدد والخطوط الهندسية، أما الثالثة فدرجة دخول الهيكل الكبير. وفيه يتعلم المنتمي المعرفة الكاملة ويكرس أستاذاً حكيماً، ويبلغ أرقى ما تصبو إليه النفس البشرية.

 تعاليم فيثاغورس:

استهوته فلسفة الأرقام ، فجال فيها جولات موفقة لم يسبقه إليها سوى أستاذه طاليس. فالرقم هو المبهم بحد ذاته، كان لفيثاغورس، ناظم كليّ، لكل ما يرى وما لا يرى في الكون. وكان تناسقاً عجيباً بين ما هو موجود وما يرمز إليه الوجود، فالوجود بنظره رقم.

فالواحد: رمز الإله الخالد المذكر، وقد اعتمد هذه الفكرة من بعده أفلاطون وسقراط وأرسطو وسواهم، أخذها فيثاغورس عن أسلافه الكنعانيين والاهم إيل، الذي علامته “الشمس – النار”، ورمزه الفكر. وجوهره الكل.

الاثنان: رمز الذكر والمؤنث، الرجل وامرأة، علي الوجود.

الثلاثة: العدد الكامل رمز الحقيقة المجسدة في العقل، والفضيلة في النفس، والطهارة في الجسد. ورمز المثلث، ثالوث كل دين، ولهذا كان الرقم مقدساً وله تفاسير ومعان ورموز تفوق الحصر. أهمها مقومات الإنسان: (الروح والجسد والعقل)، أي (الجمال والقوة والحكمة). وركائز البنائية: (الحرية والإخاء والمساواة)

الخمسة: الحكم الحر، المتبصر، سدید الاتجاه، تقوده النجمة المحمية نحو الشرق.

السبعة: رمز الحياة، عناصر الجسم الأربعة باتحادها مع عناصر الروح الثلاثة، تظهر علاقة الإنسان بالخالق. لذلك كان هذا الرقم من الأرقام المفضلة وله ايضا معان عديدة. هناك الكواكب السبعة التي تتحكم بمصير الإنسان، والأيام السبعة، والألوان والألحان، وأعمدة الهياكل، وجروح المسيح، وفتحات وجه الإنسان وغيرها وغيرها من المواصفات والمدلولات.

التسعة: رمز ربات الشعر والخيال، ومعرفة جميع العلوم والحكمة.

العشرة: هي الرقم الكامل، لأنها تمثل مجموع الواحد (1) مع أول زوج (2) مع أول مفرد (3) مع أول مربع (4).

وهكذا لكل رقم معنی ومدلول وتحكم في مصير الإنسان. وعلى نظرية الأعداد بنی علماء النفس علم الأبراج؛ واذا كانت الأرقام ۳ و ۹ و ۲۷ أرقام مقدسة في لاهوت فيثاغورس، فلأنه نجح بعد محاولة ثلاث مرات في تسعة أيام، عملية التطهير الذاتي لبلوغ الصفاء الذهني والارتقاء إلى مرتبة المكرسين الكبار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى