مقالات متنوعة

الخوف من الموت

ما هو الخوف؟
هناك الكثير الكثير من المخاوف التي لن أتحدث عنها… لكنني سأتحدث عن الخوف الأساسي والأول، وكل المخاوف الأخرى ما هي إلا صدى بعيد للخوف الأساسي ألا وهو الخوف من شبح الموت!
الحياة مُحاصَرة بالموت… كل يوم يموت أحدٌ ما، وقد كان حياً قبل لحظةٍ فقط من موته….
وكل موتٍ يذكّرك بموتك أنت….
فمن المستحيل أن تنسى موتك…
هناك ما يُذكّرك في كل لحظة، ولكي تتخلص من جميع مخاوفك عليك أن تتخلص من موتك أولاً….
نعم تستطيع أن تتخلص من الموت لأن الموت هو مجرد فكرة، وهي ليست واقعية!
لقد رأيتَ الآخرين فقط يموتون…
هل سبق لك أنْ رأيتَ نفسك وأنت تموت؟؟؟؟
يعني: شُفتِني وأنا ميّت؟؟!!

وعندما ترى الآخر يموت، تكون شاهداً من الخارج فقط، ولستَ بموقع الاختبار… الاختبار يحدث فقط داخل ذلك الشخص.
كل ما تعرفه عن الموضوع أنه لم يعد هناك نفَس، أصبح جسده بارداً، وتوقّف قلبه عن الخفقان.
لكن هل تعتقد أن الحياة متوقفة على ذلك؟ هل هي التنفّس فقط…؟ هل هي النبض، ودوران الدم وبقاء الجسد دافئاً فقط…؟إذا كانت الحياة كذلك فهي لعبة سخيفة، لا تستحق أن نلعبها…. إذا كانت الحياة بالتنفس فقط، فما الفائدة من التنفس مراراً وتكراراً ؟
لابدّ أن الحياة أكثر من ذلك، ولكي تكون ذات قيمة لابد من أن يكون فيها نفحةٌ من الأبديّة…. لا بد من أن تكون أبعد من الموت، ويمكنك أن تُدرك ذلك لأنها توجد في داخلك، أما الموت فهو تجربة للآخرين فقط، الذين يرون الموت من الخارج ولا يختبرونه.
إنه ببساطة كالحب… هل بإمكانك أن تفهم الحب برؤيتك لشخص يحب شخصاً آخر!؟ ماذا سترى؟
إنهم يعانقون بعضهم، ولكن هل المعانقة هي الحب؟ يمكن أن تراهم يداً بيد، ولكن هل هذا هو الحب؟ ماذا يمكنك من الخارج أن تعرف أكثر من ذلك عن الحب؟ كل ما يمكن أن تكتشفه سيكون تافهاً. كل ما تراه هو تعبير عن الحب، لكنه ليس الحب بحد ذاته…. ليس بالإمكان أن تعرف الحب إلا عندما تقع فيه…. وتجنّ وتذوب فيه….

طاغور” أحد أعظم شعراء الهند، كان يشعر بالإحراج الشديد من قِبل رجلٌ عجوز كان صديقاً لجده. وكان العجوز يأتي إليه مراراً لأنه كان يعيش في الجوار، ولم يكن يغادر منزل طاغور إلا بعد أن يخلق له المتاعب، حيث كان يدق على بابه ويسأله:

“كيف حال الشعر معك؟ عنجد إنت بتعرف الله؟؟!
إنت بتعرف تحبّ عنجد؟؟؟
خبّرني، إنت بتعرف كل هالإشيا اللي بتحكي عنها بشعرك؟
أو إنّك بتْصِف الحَكي صَف؟
أيّ واحد فيه يحكي عن المحبة، عن الله، عن الروح، بس مِش شايف بعيونك إنك اختبرت أي شي.”
وطاغور لم يستطع أن يجيبه أبداً… في الواقع لقد كان مُحقّاً… عندما كان يلتقي بالرجل العجوز كان يمسكه ويسأله: “كيفو الله تبعك؟ لاقيتو؟ أو بعدك عم تكتُب عنّو شعر؟ تذكّر مليح… الحَكي عن الله مش هوّي معرفتك إلو.”
لقد كان شخصاً مُحرِجاً جداً له، بالرغم من أنه كان شاعراً محترماً في مجالس الشعراء وربحَ جائزة نوبل للشِّعر، لكن ذلك الرجل العجوز كان يذهب إلى هناك أيضاً عندما يجتمع الشعراء، وأمام كل الشعراء والأتباع كان يمسكه بقبّتهِ قائلاً:
“لسّاتك ما بتعرف… فليش عم تخدع كل هالأغبياء؟ هنّي أغبياء صغار، بس إنت غبي كبير، هنّي مش معروفين برّا البلاد، أما إنت معروف بكل العالم، بس هيدا مابيَعني إنك بتعرف الله.”
كتب طاغور في مذكّراته:
“لقد كان يُضايقني كثيراً وباستمرار… وكانت لديه تلك العيون الخارقة التي لا تستطيع أن تكذب أمامها أبداً… كان حُضوره رهيباً… فإمّا أن تقول الحقيقة أو تصمُت تماماً.”
وفي أحد الأيام حدثَ ما حَدَث….
كان طاغور خارجاً في نزهة صباحية بعد ليلة ماطرة، عند أول خيوط الفجر والشمس قد بدأت بالارتفاع، وكان المحيط ذهبياً متلألئاً، وعلى الطريق كان الماء قد تجمّع في برك صغيرة بعد المطر، وكانت الشمس تُشرق في هذه البرك الصغيرة أيضاً.. بالعظَمة ذاتها… بالجمال ذاته، باللون والمرح ذاته… مجرّد هذه التجربة….. أنه في الحياة:
“ما حدا أحسن من حدا” وكل الوجود واحد…..
فجأةً صرخَ شيءٌ ما في داخله… الشمسُ قد أشرقَت فيه… ولأوّل مرة في حياته هرعَ مستعجلاً إلى بيت الرجل العجوز، دقّ بابه ونظر في عينيه قائلاً:
“والآن ماذا تقول؟”
قال العجوز:
“الآن لا يمكنني الكلام، لقد حصل… أنت مُباركٌ إنْ شاء الله.”

إنّ اختبارك للأبدية التي في داخلك، لخُلودك، لكلّيتك، لوَحدتك مع الله ممكنة دائماً، وأنت بحاجة فقط لِمَن يدفعك إليها، لتجربة معينة تُطلق الشرارة الأولى.
وكل ما يقوم به المعلم هو أنه يُهيّئ لموقف معين يسمح بالاختبار الأول، للشرارة الأولى أن تحدث… وفجأةً تختفي سحابة الموت وكل ما يبقى نورٌ في نور… حياةٌ واسعة، حياة وافرة مُتدفّقة…. حياة ملأى بالغناء ورقصة الكون.

إذاً عليك في البداية أن تتخلّص من الموت، وكل مخاوفك ستختفي من تلقاء ذاتها.
لا داعي لأن تعمل على كلّ خوف على حِدة، فذلك قد يستغرق سنيناً أو حيواتٍ عديدة ولن تقدر على التخلص من جميع مخاوفك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى