مقالات متنوعة

رؤيا هرمس

إنك ترى ما هو أزلي. النور هو الروح الإلهي الذي يحتضن كل شيء بقوة ويتضمن نمازج جميع الكائنات. أما الظلمة فهي العالم المادي الذي يعيش فيه بنو البشر. النار هي الكلمة الإلهية. الله هو الآب، والكلمة هو الإبن، وإتحادهما هو الحياة. كل ما فيك يسمع، يرى ويعمل. هو الكلمة الإلهية، النار المقدسة، كلمة الله الخلاقة

أجاب هرمس: “بما أنه كذلك أرني حياة العوالم، طريق النفوس، من أين يأتي الإنسان وإلى أين يعود- ليكن ذلك حسب مشيئتك

هو يعيش على قمة جبل. كان الليل، كانت الأرض مظلمة وعارية، رأى مشهدا رائعا

الفضاء اللامتناهي، تلفه السماء المرصعة بالنجوم بسبعة أفلاك نورانية. وبلمحة واحدة رأى هرمس السموات السبعة متجمعة فوق رأسه وكأنها كرات شفافة متحدة المركز وتحتل الوسط الفلكي وان درب اللبانة يشكل حزاما لهذا الأخير. كان يدور في كل فلك كوكب مصحوب “بملاك الشكل”، وسمات وانوار مختلفة. وبينما كان هرمس مبهورا يتأمل تطورها المتفرق وحركاتها المهيبة، قال له الصوت: ” أنظر، إسمع وإعلم. إنك ترى الأفلاك السبعة من كل حياة- من خلالها يتحقق سقوط النفوس وصعودها. الأرواح السبعة هي الاشعاعات السبعة لـ “فعل” النور. كل واحدة منها تقود إلى فلك الروح، إلى مرحلة في حياة هذه النفوس. “ملاك القمر” هو الأقرب إليك بإبتسامته المزعجة وهو متوّج بمنجل من الفضة. يترأس المولودين والأموات. يحرر النفوس من أجسادها ويجتذبها اليه بإشعاعه. فوقه عطارد الشاحب يظهر الطريق أمام النفوس الهابطة والصاعدة بصولجانه الذي يحتوي على العلم. إلى أعلى، كوكب الزهرة المشرق يمسك مرآة الحب، حيث النفوس تنسى وتعرف بعضها من دورة إلى أخرى. فوقه، ملاك الشمس ترفع شعلة النصر للجمال الأزلي. أيضا إلى أعلى، كوكب المريخ يلوّح بسيف العدل متربعا عرش الفلك اللازوردي. كوكب المشتري يمسك صولجان القوة العليا الذي هو العقل الإلهي. وعند حدود العالم، تحت دائرة الأبراج يحمل زحل كرة الحكمة الكونية

قال هرمس إني أرى المجالات التي تشمل العالم المرئي والغير مرئي، أرى الأشعة السبعة للكلمة- النور، التي من خلالها يتنقل الله الواحد ويحكم. ولكن يا سيدي كيف تتم رحلة الإنسان من خلال هذه العوالم

هل ترى بذرة نورانية تهبط في أرجاء درب اللبانة في الفلك السابع؟ تلك هي بذور النفوس. إنها تحيا كبخار خفيف في مجال زحل، فرحة، بلا هم لكنها لا تعرف سعادتها. ففي إنحدارها من فلك إلى آخر، تلبس من جديد غلافا أكثر كثافة. وفي كل تجسد، تلبس شكلا ماديا جديدا، ملائما مع المحيط الذي تعيش فيه

إن طاقتها الحيوية تزداد ولكن عندما تنتقل من جسد إلى آخر أكثر كثافة تفقد ذكرى جذورها السماوية. هكذا تتم عملية سقوط النفوس التي تصل من الإثير الإلهي. كلما أصبحت أكثر فأكثر أسيرة المادة، وسكرى بخمرة الحياة، تجري برعشات شهوانية في سيل من نار نحو مواطن الألم والهوى والموت، إلى سجنها الأرضي حيث تئن نفسك عندما تحفظ في قلبها المشتعل، وحيث تبدو لك الحياة السماوية مجرد حلم وهمي.

هل من الممكن أن تموت النفوس؟

أجل العديد منها يموت في طريق سقوطها الفاني. إن النفس هي بنت السماء ورحلتها هي مجرد برهان لذلك. وبحبها الجامح للمادة تفقد ذكرى جذورها، الشرارة الإلهية التي كانت في الأصل معها والتي كان بإمكانها أن تصبح أكثر إشراقا من النجوم، فتعود إلى مكانها الأثيري، ذرة لا حياة فيها فتتحلل في دوامة العناصر المادية

بهذه الكلمات إرتجف هرمس، لأن عاصفة زائرة ظللته بسحابة سوداء، وإختفت الأفلاك السبعة تحت ضباب كثيف. ورأى أشباح الإنسان تصيح بأصوات غريبة، وقد ساقتها ومزقتها أرواح الوحوش والحيوانات الشريرة وسط صراخ وتجذيف لإسم مجهول “هذا هو مصير النفوس المتعذر إصلاحها والشريرة”.

لا ينتهي عذابها إلا بعد هلاكها الذي يكون بفقدانها الوعي الكامل. ولكن أنظر إلى الضباب وهو يختفي والأفلاك السبعة تظهر من جديد تحت السماء الزرقاء. أنظر في هذا الجانب، هل ترى سرب النفوس الذي يحاول أن يرتفع نحو جهة القمر؟ إن البعض منها يعكف نحو الارض مثل زوابع من الطيور تحت ضربات العاصفة. والبعض الآخر يبلغ بضربات الأجنحة المدوية الفلك العلوي الذي يدفع بها إلى الدوران

عندما تصل إلى هذه الحالة، إنها تحجب الرؤية عن الأشياء السماوية، لكن هذه المرة لا تعكسها ببساطة في حلم عقيم. إنما تنسكب في شفافية الوعي المستنير بعد معانات الآلام، وفي قوة الإرادة التي تحققت بعد نضال وكفاح. إنها تصبح بذاتها نيرة لأنها تمتلك النور الإلهي في جوهرها وتعكسه في كل أعمالها

ثبت إذا نفسك، وسكن روحك المظلمة متأملا رحلات النفوس البعيدة التي ترتفع إلى الأفلاك السبعة وهي تنبعث كفيض من نور. لأنك أنت أيضا تستطيع أن تتبعها، يكفي أن تنوي ذلك لكي ترتقي مثلها. أنظر إليها كيف تتناثر وتؤلف جوقات سماوية. كل واحدة منها تندرج حسب ملاك الكوكب المفضل لديها. الأكثر جمالا تحيا في الفلك الشمسي، والاكثر قوة ترتفع إلى زحل. البعض فقط من هؤلاء الأقوياء يرتقي إلى الآب، الأقوياء جدا. لأنه حيث يتنهي كل شيء، يبدأ كل شيء من جديد وهكذا دواليك إلى الابد، وتقول الأفلاك السبعة معا: “حكمة، محبة، عدالة، جمال، عظمة، علم وخلود

الملائكة السبعة في رؤية هرمس هم الديفاس السبعة عند الهندوس، الأمشاباند عند الفرس، الملائكة العليا عند الكلدانين، السيفيروت السبعة عند الكابالا، رؤساء الملائكة السبعة في رؤيا يوحنا في الديانة المسيحية. تلك السباعية تظهر جلية في التركيبة الخاصة بالكائن البشري التي هي ثلاثية في جوهرها، سباعية في تطورها إن البشر هم آلهة خالدة، والآلهة هم بشر خالدة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى