انعتاق الروح (الجزء الاول)
انعتاق الروح هو التركيز المكثف على طبيعة الذات يخلِّف موجة عارمة تبتلع تدريجيًا كل الموجات الأخرى التي خلقتها الانطباعات الماضية. وفي نهاية الأمر يؤدي اللاتعلق التام وفعل إرادة علوي إلى تكسُّر الموجة الأخيرة، فيصبح العقل حرًا من كل الانشغالات، ويكتسب حالته الطبيعية من الطهارة، ويعكس الطبيعة الحقة للروح الباطنة.
تتألف الراجا يوغا من ثمانية أذرع أو أقسام. يشير القسمان الأولان ياما ونياما بصورة عامة إلى ضبط النفس، وتتضمن قاعدة الياما اللاعنف والصدق وعدم الجشع والعفة وعدم قبول الهدايا، والنياما تعني بعض العادات والتقاليد، كالصرامة ودراسة الكتب الدينية والقناعة وطهارة الجسد والعقل والتعبد لله.
إن الذراع الثالثة لليوغا هي الأسانا أو الوضع. وينصح بالوضع الأسهل على الطالب، الذراع الرابعة هي البراناياما التي تدعى بشكل عام ضبط التنفس.
عناصر الكون:
يتألف الكون وفقًا للفلاسفة الهندوسيين من عنصرين أساسيين هما أكاشا وبرانا مصدرا المادة والطاقة على التوالي اللذان تظهر من خلال تفاعلهما كل الأشياء الملموسة إلى الوجود.
أما البراتياهارا، وهي الذراع الخامسة لليوغا، فقوامها تمرين العقل على الانفصال حينما يشاء عن أية حاسة من الحواس. يستطيع اليوغي بوساطة البراتياهارا أن يكبح الميل الخارجي للعقل وأن يحرِّره من عبودية الحواس.
إن الذراع السادسة لليوغا هي الدهارنا، والتي تعني تثبيت العقل على أحد أجزاء الجسم فقط دون كل الأجزاء الأخرى. كأن يكون اليوغي متنبهًا لأرنبة أنفه فقط.
الذراع السابعة لليوغا هي الدهيانا، أي التأمل. يكتسب العقل في هذه المرحلة قوة التفكير في موضوع ما دون انقطاع. أي أن تدفق عقل اليوغي تجاه الموضوع لا ينقطع.
تدعى الذراع الثامنة والأخيرة لليوغا السامادهي أو الاستغراق الكامل. هناك منطقة واسعة خارج العقل، وهي مملكة الوعي الأعلى التي لا يمكن إدراكها إلا بوساطة مَلَكَة أرفع من العقل تدعى الحدس أو الوحي أو الإدراك المباشر والفوري. يمكن تحويل الغريزة إلى عقل والعقل إلى حدس أو إدراك مباشر من خلال المناهج المناسبة. كل التجارب الدينية العميقة ترتبط بمنطقة الوعي الأعلى الذي يستمد منه الكهنة والمتصوفة معرفتهم.
التجربة الروحية:
إن التجربة الروحية تشبه الثروة العادية، يتمتع بها المرء بدرجة أكبر عندما يكون قد اكتسبها بجهده الخاص ولم تُقحَم عليه إقحامًا. وكل التجارب الروحية تنشأ مما يتجاوز العقل. فالعقل يقود الباحث عن الحقائق فوق الذهنية إلى حيث يستطيع، ثم ينحني مودعًا.
لقد شدَّد راما كريشنا وتلميذه فيفيكاناندا في القرن التاسع عشر بشكل خاص على تجلي الله في الإنسان. وقد اختبر راما كريشنا النتيجة العليا لكل مناهج اليوغا، واتحد مع الله بطرق مختلفة، لكنه قال في النهاية إن تجلي الله في الإنسان هو أكثر ما يروقه. وقد طلب من مريديه أن يخدموا الناس بوصفهم صورًا لله والتخفيف من ألمهم.
إن خدمة الجائع والمريض والجاهل بروح صالحة فعَّال كأي منهج روحي آخر. على مدى عدة أيام قبل رحيله علَّم راما كريشنا مريده كيف يلبي الاحتياجات الروحية للإنسان، وقال أيضًا مرات عديدة بأنه سيكون راغبًا بالعودة إلى الأرض .
الله هنا قبلك أنت يتجلَّى في هذه الآلاف المؤلفة من الأشكال أترفضها، وأنت الباحث عن حضوره؟ إن من يتقاسم حبه بسخاء مع كل الكائنات الحية يبذل الله خدمة حقيقية.
لقد قال فيفيكاناندا قبل وفاته:
هل يمكن لي أن أولد مرة إثر مرة، وأعاين آلاف العذابات، بحيث أتمكن من عبادة الله الواحد الأحد الذي أومن به: الحاصل الكلي لجميع الأرواح.
التانترا كطريقة للتحقُّق:
تدعى سات – شيت – أناندا وفقًا للتانترا شيفا – شاكتي، وهي الكلمة الموصولة التي توحي أن شيفا، أو المطلق، وشاكتي قوته الخلاقة، في تزاوج أبدي: مثلما هي الكلمة ومعناها. لا يمكن التفكير بأحدهما دون الآخر.
المايا، وفقًا للتانترا، تحجب الحقيقة وتقطبها إلى ما هو واعٍ، وما هو غير واعٍ، ما هو موجود، وما هو غير موجود، ما هو محبب، وما هو مكروه، ومن خلال التقطيب يصبح اللامتناهي متناهيًا، واللامتمايز متمايزًا، واللامحدود محدودًا.
رغم أن الحقيقة تتطور بوساطة قوتها الغامضة الخاصة إلى العديد من المراكز الحسية والجامدة، إلا أنها تبقى دائمًا من حيث طبيعتها النهائية وعيًا صرفًا ووجودًا وغبطة. في حالة التطور لا تكف الحقيقة عن أن تكون ذاتها رغم أن التانترا لا تنكر الفعل ولا حقيقة التطور.
هكذا لا يكف أي مركز محدود في أي موقع كان على منحني التطور عن أن يكون نقطة من الحقيقة الصرفة يتفتح اللانهائي من خلالها. ومن خلالها يمكن بلوغه. عندما تواجه جيفا هذه النقطة لا تكون سوى الحقيقة، وعندما تقفل راجعة وتواجه حجاب مايا تكون محدودة ومشروطة ومقيدة بالقيود. هكذا يوجد في كل مركز لجيفا عناصر فردية وأخرى لامتناهية، عناصر ظواهرية وأخرى حقيقية. إن أحد اتجاهات عمل مايا، والذي يدعى “التيار الصادر” هو الذي يخلق مركز جيفا مع قيوده. وهناك في الاتجاه المعاكس “التيار الراجع” الذي يكشف عن اللامتناهي.
الدوافع والرغبات:
تُظهِر التانترا طريقة تحويل التيار الصادر إلى تيار راجع محولاً ما يقيد جيفا على محرِّر يطلق سراحها… فالدوافع والرغبات المرتبطة بالتيار الصادر تشكل ما يمكن القول إنه شبكة العالم الظاهري التي علقت جيفا بها. والسؤال الوحيد هو كيف يمكن أن نحوِّل دوافع التمتع المادي الأساسية (بهوغا) إلى تجارب روحية (يوغا)، أي كيف يمكن الوصول إلى تصعيد الرغبات؟ إذا تحقق ذلك انقلب عمل القيود، وحققت جيفا المحدودة تماثلها مع الحقيقة اللامتناهية. تشعر جيفا العالقة في التيار الصادر بالثنائية، وتشعر أن مفاهيم اللذة والألم، والقبول والرفض، والجسد والروح، والعقل والمادة عزيزة عليها. ولكن إذا كانت لاثنائية شيفا وشاكتي اللاثنائية الوحيدة الموجودة كما تؤكد التانترا، فكل هذه الفروقات يجب أن تكون نسبية. لكي تتمكن جيفا من معرفة أنها في الحقيقة شيفا (المطلق)، يجب أن تتخلص من كل أنواع الثنائية، وتدرك حقيقة أن كل ما يوجد ويعمل على المستوى المادي أو الأخلاقي هو شيفا – شاكتي، الحقيقة التي لا تنفصل أبدًا وقوتها.
أما التقنية الخاصة بالمنهج التانتري هي تحويل تيار التنوع الصادر إلى تيار الاندماج التدريجي الراجع من أجل جمع الانفصال والقطبية وحتى التضاد في التماثل والتناغم والسلام.
أما التانترا المختلفة في تقنيتها، فتصف منهج التصعيد. لا شك أن جسدي الرجل والمرأة المنطلقين مع تيار الصيرورة الكوني الصادر، يختلف أحدهما عن الآخر، إلا أنه يمكن تصعيدهما بوساطة التيار الراجع إلى مبادئ كونية وتحقيقهما بوصفهما الكل الواحد. ذاك هو شيفا شاكتي. وبعكس التيار الصادر على التواق أن “يوفِّق” بين المتكاملات أو الأقطاب بحيث يحقق هويتها، هكذا يتم تصعيد اتحاد الرجل والمرأة الجسدي إلى الاتحاد الخلاق لشيفا شاكتي.
وتعتمد التقنية على جعل الرغبة الجسدية، التي تشكل أقوى أغلال الإنسان الحيواني، نافذة أو قناة لاختبار سات – شيت – أناندا. إن اتباع الطريق الصحيح واستكمال كل الشروط يوفر للتواق النجاح في سعيه.
مراحل التانترا:
تتألف التانترا في التصعيد من ثلاث مراحل: التطهر، والترفع، وإعادة تأكيد الهوية على مستوى الوعي الصرف. على التواق أن يخلِّص نفسه أولاً من رداءة كثافة المادة وذلك بأن يقلب التيار الصادر إلى تيار راجع.
تقول التانترا إن المبادئ الكونية الطاهرة تجتاز الخط في مرحلة ما من صيرورة التطور، وتتحول إلى مبادئ دنسة تشكل مملكة الطبيعة التي تشبه منحنى ملتفًا تحتبس فيه الجيفا، وتهيم عالقة في شبكة من الحتمية الطبيعية لا مفر منها، إلا إذا انحل المنحنى الملتف وفتح قناة من أجل تحررها وصعودها إلى مملكة المبادئ الكونية الطاهرة. وإلى أن يحدث ذلك تسبح جيفا في التيار الصادر وتتحرك معه، وتهتم بالرغبات الدنيئة أو الجسدية. وسواء أثمرت اللذة أو الألم تشد هذه الرغبات السلاسل فوق جيفا بأغلال إضافية. وهي تأمل في انحلال التفاف الطبيعة الذي أطبق عليها. ويدعى هذا بلغة التانترا التقنية استيقاظ الكونداليني أو قوة الأفعى الملتفة على نفسها. والذي ينتقل المرء بوساطتها من مستوى المبادئ الدنسة إلى مستوى المبادئ الطاهرة. يكون رأس هذه الأفعى الملتفة متجهًا إلى الأسفل، ويجب أن يتحول إلى الأعلى. إن هذا التغيير في اتجاه قوة الأفعى الذي تبقى جيفا بعد تفتحها كامنة فيه يدعى تطهرًا. والمرحلة الثانية هي الترفُّع، أي قلب النظام الذي تسير فيه المبادئ الكونية مع التيار الصادر والبدء بالتيار الراجع. ويجب أن يتم الصعود في الاتجاه المعاكس للاتجاه الهابط.