في البدء كانت الكلمة، وتلك الكلمة رُمِزَ بها إلى الكل (الله)، والكلمة تتأّلف من حروف متصلة، لذلك وجب أن ننطق بكلمة السر بشكل متقطع، لأن وعينا لم يصل بعد إلى قدرة توصيل حروف الكلمة وإدراك سر الرمز.
وتلك الدائرة التي تتألف من نقاط متصلة، فلو علِمنا سر الحروف لبان لنا إدراك حقيقة الكلمة، ولو أن تلك الكلمة تجاهلتنا، ولو لم تكن نقاط الدائرة متصلة، لم نكن نحن، لنكون، فبعلمِهِا كنا وبعجزنا ارتضينا أن نكون في دائرة المطلق اللامحدودة، ونحن تلك النقطة المحدودة! بكون المحدود مرتبط حكماً باللامحدود، فمن الحروف تبدأ الكلمة، ووجود الحرف منفرداً لا معناً له، ومن النقطة تكون بداية الدائرة المطلقة، ووجود النقطة منفصلة لا قيمة لها، ومن هنا كانت بداية الرحلة لرمزية الحكمة الباطنيّة:
من تلك النقطة، أو ذاك الحرف التي تنحني أمامهما العقول المثقلة بالمعرفة المعاصرة، حيث يمتلك بعضهم بعض العناصر المشتركة للإدراك، والتي يحتقرهما اليوم مدَّعو العلم بوصفهما نوعاً من الخيال، وما هذا إلا دليلاً على سبب عجزهم عن سبر أغوار اللامحدودة، فتلك النقطة، أو ذاك الحرف، الذي يمثل طالب التكريس، والذي عليه أن يتناغم مع إخوانه من النقط والحروف، لتكتمل الدائرة ويصلوا إلى إدراك سر الكلمة.
تبدأ الأسطورة، ويكتمل النص في كتاب الحقيقة المدركة التي تناقل صفحاته أهل المعرفة والإدراك تلقيناً.
ففي صفحته الأولى رسمت دائرةٌ ناصعة البياض وسط خلفية سوداء داكنة، وتمثل هذا رمزيّاً، بك أخي طالب النور، أنت الآتي من خلفيّة ظلمات الحقيقة، لتستلهم نور المعرفة.
وفي صفحته الثانية يوجد نفس الدائرة، لكنها الآن تحمل نقطة في وسطها، وهذا ما يفسر رمزيّاً، بإيقاظ شرارة الإدراك في عقلك، بعد اكتمال دورة تكريسك النظاميّة، حينها تكون قد انتقلت من مرحلة الصمت والتأمل إلى مرحلة العمل والتطبيق.
أمّا في الصفحة الثالثة فنجد أن تلك النقطة التي سبق ووجد في الصفحة السابقة، تحوّلت إلى خط أفقي في قلب الدائرة، وهذا ما يفسر أنك قد اجتزت مراحل إدراك المعرفة وسلكت الطريق إلى الضفّة الأخرى، حيث إنك تكون قد تجاوزت اللازمان واللامكان.
أمّا من حيث فلسفة الظاهر المعلوم، تشير رمزيّة الصفحة الأولى، إلى الكون الكامن في قلب الأزل قبل انبثاق الطاقة؛ وحدوده ترمز، إلى حدود معرفتنا المحدودة.
ورمزيّة الصفحة الثانيّة، النقطة في قلب تلك الدائرة تشير في الظاهر إلى تلك النطفة التي لم تتمايز بعد، (أمّا في الباطن ترمز النقطة إلى وميض الإدراك الذي لم يتحول إلى نور بعد).
فالنطفة من المفروض أن تتحول فيما بعد إلى جنين، ومن ثم إلى مولود، مولودا من رحم تلك الظلمة، وبالتالي تصبح تلك النقطة ممثَّلة لرمزيّة الصفحة الثالثة بالخط الأفقي، الذي يمثِّل كوننا الأكبر المنبثق من العدم وهنا علينا نحلِّق ارتقاء في الخيال مع ما تفترضه الحكمة الرمزيّة الباطنيّة… (وللحديث تتمة)