الدين و الماسونية

الله … ليس بشخص

فهذه الفكرة هي أعظم سوء فهم في التاريخ كله، وقد سادت لفترة طويلة إلى درجة أنها أصبحت حقيقية… حتى الكذبة إذا كررتها باستمرار عبر قرون ستصدّقها في النهاية وستظهر لك كأنها حقيقة محققة.

الله هو حضور ونور… ليس شخصاً أو ناطور، ولهذا جميع العبادات مجرد غباء ليس إلا، المطلوب منا هو التعبّد وليس العبادة، الصلة لا الصلاة، حتى تصل إلى “كل عمل عبادة” وفي كل لحظة موت وولادة.

لا يوجد أي شخص تصلّي إليه، ولا توجد أي إمكانية للحوار مع الله، لأن الكلام أو الحوار ممكن فقط عند وجود شخصين، والله هو حضور وليس شخص، حضور كشعاع من النور، مثل الجمال مثل الفرح.

الله ببساطة يعني الألوهية، هذه الحقيقة د دفعت بعض الحكماء إلى إنكار وجود الله، حيث أرادوا ببساطة أن يركّزوا على أن الله هو صفة وتجربة واختبار، كأنك تنقّي الذهب بالنار، وليس مجرد حفظ نشرة أخبار.

الله إحساس في قلبك مثل الحب والمحبة، لا تستطيع التحدّث إلى الحب، لكنك تستطيع أن تعيشه، ولن نحتاج إلى بناء معابد وتماثيل للحب، لكي ننحني ونسجد لها، هذا سيكون مجرد تفاهات وتمثيليات على الآخرين، لكن هذا ما كان ولا زال يحدث في كل المعابد والكنائس والجوامع ودور العبادة.

لقد عاش الإنسان حتى الآن تحت سيطرة فكرة أن الله شخص، وقد تسبّبت هذه الفكرة بكارثتين كبيرتين:

أولهما هو ما يُسمى بـ “المؤمن” أي الذي يعتقد بوجود الله في مكان ما في أعالي السماء، ومن واجبه تعظيمه وعبادته، أن يدعو ويصلّي لكي ينعم عليه بالخيرات، وليساعده في تحقيق الرغبات والأمنيات، لكي يعطيه ثروة الحياة الدنيا إضافة إلى جنة الحياة الآخرة، وهذا مجرّد إضاعة للوقت والجهد ليس إلا.

في الطرف الآخر نجد أن الناس الذين رأوا غباء “المؤمنين” قد أصبحوا مُلحدين أو “كافرين”، وبدؤوا بإنكار وجود الله، وكان معهم حق من وجهة نظر معينة، لكنهم كانوا أيضاً مخطئين، أي ضالّين، لقد بدؤوا ينكرون ليس وجود الله كشخصية فحسب، بل نكروا حتى تجربة الألوهية، أن تعيش الله ويعيش الله في قلبك، المؤمن والكافر كلاهما مخطئان، والإنسان حالياً بحاجة إلى نظرة جديدة تحرره من كلا هذين السجنين.

الله هو صمت الشاهد فيك، هو الجمال والسعادة، حالة الابتهاج الداخلية عندما تطير من الفرح،  عندما تبدأ بالنظر إلى الله كألوهية.. سيحدث تغيير كبير في رحلتك الروحية، عندها ستجد أن الصلاة اختفت وتحوّلت إلى صِلة، ولم نعد مجبرين على أداء الحركات وتعداد الركعات، ستتحول حياتك كلها إلى عبادة من نوع آخر، ستعيش التعبّد في كل لحظة وهنا يبدأ التأمل، وتأمل ساعة خير من عبادة الدهر بكامله.

نعم…. إن الله غفور رحيم، لكنك يا أخي عندما تقوم بشيء مكرر تكون شيطاناً رجيم!! ولن تحل رحمة الكون عليك، الله هو البساطة والعفوية لا المُكر والدّهاء، الله ليس تاجراً لكي تتديّن منه بضعة كيلوغرامات من الآثام، لتردّها بعد فترة بحفنة من الحسنات والعبادات.

الصلاة هي حوار بين شخصين، أي أن بينك وبين الله قطبان مختلفان، علاقة بين اثنين،  لكن الله أقرب إليك من حبل الوريد، وما وسعني أرض ولا سماء، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن – الصادق طبعاً.

فكيف نصلّي يا نور السماء؟ كيف نتصل ونحوّل الصلاة إلى صِلة ووَصل؟؟

الطريق واضحة وبسيطة لكنها تحتاج إلى شجاعة، عليك أن تتجه إلى براءة الأطفا، فهم موصولون أكثر منا، ولتضيف إليها شيئاً من حكمة الكبار، اخرج من صندوق أفكارك الضيق، انسحب من فكرك المشوّش كما تسحب الشعرة من العجين، عندها ستصبح صامتاً بعمق أعماقك.

في ذلك الهدوء، في تلك السكينة يستيقظ الساكن فيك، وتصبح مدركاً لصفة مذهلة في الكون المحيط بك، سترى كل الأشجار والجبال والأنهار والناس محاطين بنور شفاف خفيف جداً، جميعهم يشعّون بالحياة، إنها حياة واحدة لكن بأشكال مختلفة، كونٌ واحد موحّد يزهر بأزهار مختلفة، لكلّ منها لونها وعطرها المميّز.

هذه التجربة هي (الله) وهي من حق كل شخص، لأنك سواء كنتَ مدركاً لها أم لا، فأنت بالأصل جزء منها، الاحتمال الوحيد هو أنك قد تتذكّرها أو لا تتذكر، والفرق بين الشخص المستنير الحكيم والشخص العادي ليس في النوعية، إنهما متشابهان تماماً، لكن هناك فقط فرق بسيط هو أن المستنير واعي ومُدرك أن الله موجود في كل الوجود، وأنه متغلغلٌ في أعماق قلبه مثلما هو منتشر في أعلى سماء وأعمق ماء.

يجب أن نحرر الله من أي شكل أو صورة أو فكرة محددة، عندها فقط يمكن أن يأخذ جميع الأشكال وجميع الأسماء، هذا هو سر الأسماء الحسنى، المتعاكسة في معانيها، لكنها توحي إليك بالاسم المئة، الصمت والفناء وما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، وسيصبح الله عندها، لا تراه الأبصار ولا تحدّه حدود ولا تدركه العقول.

هنا يتحوّل الجسد إلى معبد، النور البرّاق يحيط بكل جوانه، هذا الإنسان هو الإنسان الحقيقي، هو خليفة الله في الأرض، الشيء الأساسي والأكثر أهمية هو أن تتعرّف على جوهرك العميق، لأن فيك سر الكون وفيك انطوى العالم.

الله هو حضور في أعمق نقطة من كيانك وتكوينك، إنه حضورك أنت ذاتك وليس لقاءً أو اندماجاً مع شخص آخر، عندما أقول أن الله حضور، فأنا ببساطة أقصد أنه حقيقتك الدّفينة، ذلك المكان الهادئ، ذلك الفراغ الذي لا يستطيع أي أحد دخوله، ذلك المكان الخاص الطاهر النقي الذي لم تمسسه يدٌ ولا أفكار، هو (الله).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى