تأملات باطنيّة
الحقيقة التي لا يعلمها إلاّ من أحسن سبر أغوار الباطن، هي أنّ الظلام والنور، هما من طبيعة واحدة، وهما لا يختلفان إلاّ في الظاهر فقط، وكلاهما من نفس المصدر، فالظلام رمزيّاً يشار به إلى الفوضى، والنور يرمز إلى التناغم الروحي الأعلى، وبعد أن نعي وندرك حقيقة الظلام، أي عندما ينضج وعينا، حينها نستطيع أن نحوّل الظلام إلى “نور”، وبالتالي نكون قد حققنا الخطوة الأساسيّة في مرحلة مسيرة الوعي الإدراكي، وهي تحويل السلبيّة إلى إيجابية وهذه أحد أهم وظائف الانسان الحقيقي.
إذا أردنا تبسيط معاني بواطن الرمز، نرى أن الحكمة الحقيقيّة هي عادة ما تختبئ وسط الظلام، تماماً كما يختبئ حجر الألماس في قلب الفحم، لذا علينا أن نمضي في طريق الوعي والإدراك، دون أن نصحب معنا الجهلة المتطفلين، أو المنافقين والضعفاء، ولكن في البداية علينا أن نبحث في داخلنا عن الفوضى المتحكمة في عقولنا، ونتخلّص منها، لنجعل حياتنا متوازنة ومنتظمة، لكي نصبح جديرين بأن نكون جزءً من ذاك الكل المبدع، ونستحق السير في مسار حكمته.
لنكن منفتحين على الكل ونظامه الكوني، ولندع شعاع نوره ينساب في داخلنا، لتصبح أرواحنا متناغمة مع نظامه، ونتحد معه بالوحدة، فطالما نحن مقيدين في أغلال الجسد المادّي، فلن نستطيع ان نتقدم في الارتقاء، ولن تتحرّر أرواحنا، ومن الطبيعي أن لا يحيا في جوهر الحقيقة إلاّ الأرواح المحرّرة من قيود المادّة، لهذا كان الشرط الأول في ارتقاء الفرد إلى الحكمة الرمزيّة، أن يكون متحررّاً من ثقل الأنا، وأعباء المادّة الجسمانيّة، ليحصل على روحنة نفسه.
في هذا المسار، الروح هي في المقام الأوّل، والروح هي كل شيء، أمّا الجسد المادّي فهو لا يمثل شيء، لذلك علينا ألا نسمح لرغباته أن تتملك في عقولنا، حينها تصبح رغباتنا عقبة في طريقنا، وتتوقف مسيرتنا الإدراكيّة.
من المعروف حكماً أن الإنسان لم يلد ليكون مرتهناً للأرض، علماً أنه ولد على الأرض، لكنّه هو في الحقيقة روحٌ نورانيّة، ومن غير المعرفة الحقيقيّة لن يتحرّر ليصل إلى جنّة المعرفة والنور الحقيقي، بل أنّه سيبقى في جحيم الجهل المظلم، وما كان الهدف من ولوجه في مسار إسرارية جوهر الحكمة الباطنية، إلاّ من أجل صقل ذاته لحرر نفسه ويصل إلى جنة المعرفة النورانية، من خلال بناء ذاته الروحيّة، فلكي يصل الأنسان إلى مرحلة الإدراك والوعي، عليه أن يكمل بناء ذاته وصقل نفسه، ويتمتع بصفاتٍ التاليّة ثلاث وهي :
- قوّة الإدراك.
- الحكمة الروحيّة العالية.
- المحبة المطلقة غير المشروطة.
N.SH