كلمة رحمة من أربعة حروف ولكنها هي عطر اللغة والبلاغة ولا يمكن عيشها إلاّ بالفهم والوعي لا لاحترام الآخر، بل للتعرف على نفسي وكياني وروحي وعندما اتّصل بلبّ القلب أستطيع الاتّصال بالعالم وبأهله….
من هو هذا الإنسان الآخر الذي لا أعرفه؟
إنّه ليس جسداً ولا فكراً ولا عقلاً بل روحاً وجميع الأرواح متصلة بالروح الإلهية وهذه هي صلة الأرحام مع رحمة الرحمن.
كلّنا إخوة بالرحمة… كلّنا عيال الله… الخلق عيال الخالق…
لنفكر معاً بهذه العمة… كلمة رحمة… رجمة… رخمة، أي صوت رخيم. من باب الرحمة يمكنك أن تحذف حرف من أي كلمة لترخيمها أي لرحمتها كالصوت الرخيم أو كالسوّط الرجيم!!!!!!
الكلمة تعبّر عن الاختبار الذي سبق التعبير. والرحمة تسبق الغضب وتسع كل شيء…. رحمتك يا الله وسعت كل شيء فإذاً الرحمة هي قمة الحب والمحبة ومن هذا الحق يقول لنا الخالق وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين…
وارحموا مَن في الأرض يرحمكم من في السماء أي الرحمة لجميع مخلوقات الرحمن…. والإنسان يملك نعمة رحمة الله لأنّنا كلّنا من روح الله وكلّنا إخوة في الله….
لنتذكّر معاً بعض النعم الإلهية الرحيمة….
ارحم نفسك يا إنسان وارحم عباد الله وكل من يسبّح لله وجميع مخلوقات الله أي الرحمة للحجر وللطير وللبشر وكل ما نرى وما لا نرى ولا نعلم…. وأين هي هذه الرحمة؟ هل أعرفها؟ هل أنا أرحم نفسي وذاتي وروحي؟
هل أرحم جهلي وكفري؟…. هل أرحم أمي الأرض وعمّتي النخلة؟ هل أرحم الهواء والبلاد؟
رحمته وسعَت كل شيء لأنّ كل شيء نعمة من الله وهل أرحم الشيء؟ هل أحترم أي شيء؟
هل الرحمة سهلة وليّنة ورقيقة وشفافة؟
لنتذكر معاً رحمة المسيح مع اللصوص….
دخل إلى الهيكل ومعه سوط ساطع بالغضب وقلَبَ طاولات أهل المال وقال لهم: “هذا بيت الله وأنتم جعلتموه مغارة للسرقة وللاستغلال“…. وكان وحده يهدّد ويضرب ويقتحم التجّار كالعاصفة الهوجاء وهربوا جميعاً وبقي وحده في المعبد يندّد وينذر أهل المال والأنذال…. لم يواجهه أي من رجال الدين أو التجار بل هربوا جميعاً صارخين ومعلنين بأنّ هذا المسيح هو المجنون الذي يدّعي المحبة والرحمة…. يتكلم عن السلام ويحمل السلاح ويهدّد ويقتل وحكمَ عليه القضاة وهيئة المحكمة والمحلّفين بالصلب وبالعذاب ولكن ما هو سبب ومعنى هذا التصرّف؟؟؟؟؟؟
المسيح بريء من الغضب ومن أي عنف… إنّه يعمّر ولا يدمّر… السيف في يد المسيح أو يد الإمام عليّ لا يجرح لأنّ يده غير مجروحة ولا تجرح بل يجترح العجائب من لبّ القلب حيث الرحمة الإلهية لخلاص الإنسان من الرجمة إلى الرحمة…. لا يقتل من باب الغضب بل من باب الحبّ وهذا هو سيف الفاروق الذي يفصلني من الاطل ويصلني بالحق…. إنّ اليد الغير مجروحة تستطيع أن تحمل السمّ وتتحكّم بالسلاح وبالغضب لأنّه نابع من فيض الرحمة الرحمانية حيث الحذر والوعي واليقين في حدّ سيفه وذاته….
ما فعله المسيح في الهيكل فعله الإمام علي مع غيره… لأنّ سيف الفاروق هو سيف الرحمة، أي سيف الفصل من الجهل إلى العقل ومن العقل إلى القلب ومن القلب إلى لبّ الألباب ومنها إلى صلة الرحمن…. فإذاً سيف الله هو سيف العدل والرحمة وليس سيف أو سوط القتل أو الرجمة…. عندما همّ الإمام علي بشكّ السيف على رقبة عَمر بن ودّ العامري ماذا فعل هذا الأخير؟ بصق في وجه الإمام…. عندئذ سحب السيف من يده وقال: سوف لن أفصلك خوفاً أن أقتلك لغضبي لا لربي… وتعجب عَمر من هذه الرحمة…
هذه هي رحمة أهل الرحمة… وأهل الرحمة هم الأنبياء والأولياء والخلفاء والحكماء والعلماء وكل مَن أسلم نفسه وذاته وروحه للرحمة الرحيمة… لتكن مشيئتك يا الله…