الدين و الماسونيةحضارات قديمة و الماسونيةمقالات متنوعة

الآلهة المؤنثة والآلهة المذكرة

ما أن فتح الإنسان عينيه على الحياة  حتى غمرته دهشة الوجود واحتار أمام وجوده فيه فراح يفكر ويتأمل ، مر تأمله بأطوار كثيرة ، ونظرا لأن حمل المرأة وولادتها كانا أكثر أعجوبة تثير دهشته فقد راح يتخيل أن القدرة الكامنة خلف الوجود لا بد أن تكون أنثى ، وأن الكون لم يتشكل إلا من مضاجعة السماء للأرض أو من مضاجعة القمر للشمس لتنجبا الزهرة ، وغير ذلك الكثير من التخيلات التي قاده إليها تأمله ، لتبدع أروع الملاحم الأدبية الباحثة عن سر الخلق مثل الإينوما إيلتش ، ملحمة جلجامش ، الأوبينيشاد ،  الفيدا ،  ملاحم الإغريق ، التكوين  التوراتي ، وغيرها من ملاحم الخلق التي كانت تتأثر بما سبقها من ملاحم بل وتأخذ منها كما أخذت ملحمة الخلق التوراتية من ملحمة الخلق البابلية ومن تراتيل أخناتون وأسطورة إيزيس واوزيريس ومن التراث الكنعاني

وكانت هذه الملاحم تؤثر بدورها في قصص الخلق اللاحقة لها كما كانت المسيحية والمانوية

والصابئية امتدادا لملحمة الخلق التوراتية ومكملة لها كما قام الإسلام في أسسه على ملحمة الخلق التوراتية وإن كان مطورا لها في الكثير من جوانبه

وقد مرت مرحلة غير قليلة من عمر البشرية كانت الألوهة تعزى للأنثى لأنها هي التي كانت تهب الحياة بحملها وولادتها وكانت قيادة المجتمعات المشاعية لها فظهرت في تاريخ البشرية مئات النساء الإلهات مثل عشتار ، إنانا ، عناة ، عشتروت ، إيزيس   افروديت ، أثينا ، اللات ، مناة ، العزى  إلى أن تغير الزمن بفعل هيمنة الرجل التدريجية على مقاليد الحكم وقيادة القبائل والمجتمعات ، فأخذت الألوهة تعزى للرجل خاصة بعد أن تأكد من دوره الرئيس

في مسألة التكاثر أو الحمل فلولا قيامه بالمضاجعة لما كان هناك حمل  ثم إن قدرته على العمل كانت أقوى من قدرة المرأة  ثم كان عليه أن يعرف أبناءه ، ليورثهم ما جمعه واستحوذ عليه في حياته  مجموعة عوامل أدت إلى هيمنة الذكر ، والتفكير في الألوهة المذكرة لتنقرض إلى غير رجعة ألوهية الأنثى حتى أن مجتمعاتنا الحالية تنعت بالمجتمعات الذكورية لهيمنة الرجل على معظم مقاليد الحياة فيها فظهر في تاريخ البشرية الكثير من الآلهة الذكور مثل بعل ، إيل ، مردوخ ، هبل ، جوبيتير ، هدد ، زيوس ، حورس ،

وكانت آخر إلهة أنثى هي إيزيس المصرية التي استمرت عبادتها حتى أواسط القرن الخامس الميلادي وامتدت عبادتها لتطال أجزاء من أوروبا وافريقيا وآسيا إلى ان اندثرت أمام المسيحية بعد أن اعتنقتها روما وإن كان هناك إلهات أخريات باقيات فلم تكن عبادتهن ذات شأن هام وعلى نطاق واسع

عصور الأنوثة و الأمومة :

الآلهة عشتار

لم تشهد عصور الأمومة وسيادة الأنثى الإلهة التي يقدرها المؤرخون من ثلاثين إلى خمسين ألف سنة أية حروب مدمرة كما لم تشهد إقامة جيوش جرارة غايتها شن الحروب والتوسع في الأرض وسبي النساء والإستيلاء على أراضي الآخرين  ، كما لم تشهد صنع أدوات حربية ، فقد كان الإنسان يهتم بقوته ، ويؤسس للزراعة ، ويصنع أدوات للصيد ولمكافحة الوحوش المفترسة ، ولتناول الطعام ، وحفر الكهوف للإقامة ، وفيما بعد بناء البيوت الطينية ويمكن القول إن إنسان عصر الأمومة كان يؤسس لحضارة إنسانية ، ولم يكن لديه مشاكل جنسية على الإطلاق ، لأن الجنس كان متاحا له بيسر ، فلم يكن في حاجة إلى آلاف السبايا من العذراوات وغير العذراوات ليشبع غرائزه ونهمه إلى الجنس ولم تكن الأرض ملكا لأحد بل كانت ملكا للبشر جميعا .

كانت نساء الجماعة البشرية البدائية ، للرجال جميعا ورجال الجماعة للنساء جميعهن وكان الأبناء يعرفون بأمهاتهم وليس بآبائهم وكان من الطبيعي أن تكون المرأة الأم عماد الأسرة فيما بعد ومن هنا جاء اعتقاد الإلهة الأنثى بأسمائها الأنثوية لاحقا حتى أن تحول بعض الجماعات إلى قبائل في عصور لا حقة كان ينسب إلى أنثى وظل كذلك  عند بعضها إلى يومنا كما هو عند بعض القبائل العربية .

قدرة الأنثى على الحمل والإنجاب وتجدد دمها أحد أهم أسرار الحياة بفعل الطمث الشهري وحيض الولادة جعل الإنسان القديم يعتقد أنها الطاقة الكامنة وراء الخلق ، فألهها وقدس المرأة بشكل عام كما قدس دمها وقدس الممارسة الجنسية لما تبعثه من متعة للجسد .

في الأساطير السومرية يتم خلق الكون من جسد الأنثى حين يقوم الإله مردوخ حفيد الأم الأولى تعامة بشق جسدها إلى نصفين ليقيم منهما السماء والأرض.

وكانت الربة العذراء عشتارمعبودة تقدم لها القرابين وتقام طقوس الجنس المقدس في معابدها وتهب العذراوات المقدسات عذريتهن أضحية لها لأول عابر طريق ،

 عصور الذكورة :

الإله بعل

بدأ الإنقلاب الذكوري الأقدم الذي وصل إلينا مكتوبا في ملحمة جلجامش ، حين أبى جلجامش الزواج من الربة العذراء عشتار بعد أن هامت به حبا

حيث نجدها تناديه في الملحمة الشهيرة

تعال يا جلجامش وكن حبيبي

هبني ثمارك هدية

كن لي زوجا وأكون زوجة لك

غير أن جلجامش يأبى الزواج من الربة ملصقا بها الصفات غير الحميدة  معددا مثالبها وأفعالها

إنّ قدرة المرأة  الأنثى على الحمل والإنجاب دفعت الذكر الرجل إلى منافستها في هذه القدرة ، فكبير الآلهة اليونانية زيوس يأخذ الجنين من بطن أمه ويشق فخذه ويضعه فيه ليكتمل نموه ، وهكذا يولد بروميثيوس من فخذ أبيه ، وتنبثق الربة أثينا ربة الحكمة والحرب من جسد زيوس نفسه بعد أن ابتلع أمها وهي حامل وأيضا نجد أن الربة الفرعونية العذراء إيزيس تحبل بحورس دون ذَكر إله غير أن حورس يستلب الألوهة من أمه للتتراجع مكانتها الألوهية ، وهو ما سنراه في المسيحية حين تسود ألوهة المسيح وتغيب قداسة مريم العذراء من الأناجيل وقد تجلى ذلك في الديانات اللاحقة بنسب متفاوتة وكانت التوراة قد جاءت بإله ذكوري يهوه وبأنثى خاطئة ملعونة ترفض أوامر الإله وتنقاد لمكيدة الأفعى الشيطان بأكل ثمرة المعرفة

فبعد أن كانت الأنوثة هي مصدر الخلق حتى خلق الآلهة كما فعلت الأم تعامة في الأساطير السومرية والبابلية تحولت إلى مجرد مخلوق من ضلع الذكر الذي خلقه يهوه على صورته كما أورد كتبة التوراة في سفر التكوين ، ليصبح نصف الخلق الإنساني  الأنثى مخلوقا من ضلع ذكري وهذا ماذكر ايضا في الرواية الاسلامية

وكمن يقلب الوجود رأسا على عقب  أنزل العقل الذكوري الأنثى الإلهة من عليائها  السماوية الألوهية وقدسيتها في المرأة إلى أدنى المراتب الإنسانية الدنيوية وأدنسها ، وجعل الذكر سيدا عليها ، وجعل من أتعاب الحمل وآلام الولادة عقابا لها ، ورفع ذكورية الرجل من المراتب الدنيوية إلى المراتب السماوية والألوهية ، لتغدو الألوهة ذكورية بالمطلق لا وجود للأنوثة فيها أية مكانة على الإطلاق ، وتحولت القاب الألوهة ومسمياتها إلى ذكورية بالمطلق بما فيها الرب الأب الوالد ، مع أنه لا يلد و راح عصر الذكورة والقائم حتى يومنا يؤسس لإقامة حضارة عدوانية تقوم على جيوش جرارة غايتها التوسع والهيمنة والسبي والسلب والحفاظ على السلطة وأنظمة الحكم والاستيلاء على الأراضي الجديدة ونشر الفكر الذكوري وفرضه على الأمم

مصادر ومقالات متنوعة بتصرف

القلم الحديدي 1 /10 / 2020

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى