مقالات متنوعة

المثقّف والمتعلّم

(لا أخشى إلا من أُمّيّة المتعلمين)

قرأت بأحد مُؤلفات طه حسين عبارة استوقفتني:

(كيف لمتعلّم أن يكون أُمّيّاً؟)

أليس وقد تخرج من أحد الكليّات بالجامعة مثلاً أن يكون قد قرأ ودرس في تخصّص قد اختاره لنفسه بعدما أنهى سنوات قبلها أيضاً درس فيها مختلف العلوم  أليس زاده المعرفي فيما لو تكلم بكاف ؟

حيّرتني الكلمة وكان عندي تصوّر من أنّ كل متعلم هو بالضرورة أعلى درجة بالمعرفة ممن لم يجد للتعليم سبيلاً اي اعلى ثقافة فكرية طبعا

العميد نابه مؤكّد حيث استشعر نقص في المعرفة لدى بعض المتعلمين بمعنى أنّ الثقافة تختلف كليّا عن التعليم الأكاديمي ولابد وأن نفرّق بينهما فمن هنا حاولت أن أعرّف المثقف والمتعلم وأن أفرّق بينهما ،

المثقّف

هو الشخص الّذي تلقّى قدراً من التعليم وهو قادر على انتاج الأفكار الجديدة و لديه المقدرة على التعامل مع الأفكار القديمة فهو الذي لا يكتفي بممارسة النشاط الفكري النابع من الوعي والفهم وسعة الأفق فقط بل هو صاحب رسالة يبحث دائماً عن كشف الحقيقة ويكون شجاعاً في الدفاع عنها

لا يفرق بين عقيدة وعقيدة أو لون ولون أو جنس وجنس أو توجه سياسي وآخر فهو ضمير المجتمع وهو المعبر عن آلامه وآماله وحامل مشعل النور في سبيل البلوغ لمجتمع أكثر إنسانية وعقلانية

و لقد وضع أنطون تشيخوف الروائي المعروف سبع صفات للمثقفين لخّصتها بما يلي مع بعض التصرّف  :

– هؤلاء الناس يحترمون شخصية الإنسان لذلك دائماً ما يكونون لطفاء وعلى استعداد لتقبل الآخر حيث

يعد المثقف شخصاً متسامحاً لا يضع أوزاره على الآخرين ويتحمل مسؤولياته في المقابل وتعتبر شخصيته مرنة بما يكفي لتقبل الرأي المخالف .

– المثقفون أشخاص صادقون ويخشون الكذب كخشيتهم النار ولا يستطيعون الكذب حتى في الأمور البسيطة.

– لا يتباهون أمام رفاقهم الأكثر تواضعا ولا يميلون للثرثرة ولا يفرضون أنفسهم على الآخرين واحتراماً لمسامع الآخرين يصمت هؤلاء الناس أكثر مما يتحدثون .

– لا يمتلك المثقفون صفة الغرور المفرط .

– يحترم هؤلاء الأشخاص مواهبهم ويشعرون بالاعتزاز لاكتسابها كما يقدمون تضحيات على غرار حرمان أنفسهم من الراحة في سبيل الالتزام بتطويرها

– هؤلاء الناس لا يقللون من شأن أنفسهم حتى لا يثيروا شفقة الآخرين فهم لا يسيئون لأحد ولا يدّعون أن لا أحد يفهمهم فكل هذا بالنسبة لهم هراء

– يعد الشخص المثقف شخصاً حساساً وعاطفياً ليس فقط في وجه الظلم والألم الذي يجده في طريقه ولكن أيضاً في مواجهة كل ما يحدث في العالم  إذ لا يمكن تصوّر ثقافة غريبة عن المعاناة الإنسانية

و بالمقابل عن الفرح والسعادة  أيضاً .

المتعلّم

أسم المفعول لفعل تعلّم وهو من يتلقى التعليم و الخبرات والمعلومات بطريقة ما من المعلّم وبذلك يتم اكتسابه لمهارات تمنحه القدرة على الدخول في المجتمع فهو الدارس لمبادئ من فروع التعلم سواء تعمق فيها أو درسها بدون تعمق فهو دارس لتلك المادة العلمية لحاجة ما و غالبا فى مجتمعنا يكون للحصول على شهادة علمية و التعلم يكون فى جزء منه إجبارى .

الفرق بين المثقّف والمتعلّم

في كتابه “خوارق اللاشعور” يقول الأستاذ والمؤرّخ  علي الوردي ينبغي أن نميّز بين المتعلم والمثقف فالمتعلم هو من تعلم أمورا لم تخرج عن نطاق الإطار الفكري الذي اعتاد عليه منذ صغره فهو لم يزدد من العلم إلا ما زاد في تعصبه وضيّق في مجال نظره فهو قد آمن برأي من الآراء أو مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء المعلومات التي تؤيده في رأيه وتحرضه على الكفاح في سبيله أما المثقف فهو يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة وللتأمل فيها ولتملي وجه الصواب منها .

ما ذكرناه لا يعني بالضرورة إمكانية بناء جدار فاصل بين المثقف والمتعلم فقد يكون المثقف متعلماً وقد يكون المتعلم مثقفاً لكن ليس بالضرورة كذلك أن يكون كل مثقف متعلم وكل متعلم مثقف فالمثقف بالمجمل على درجة أعلى وأوسع من الوعي والإلمام والتنوع المعرفي مما هو لدى المتعلم والمثقف بالمجمل لديه قدرة أكبر للتعبير عن الذات وتوظيف حصيلة المعرفة المتنوعة التي لديه في الموقف المناسب  أما المتعلم فعلمه يكون في مجال محدد أو أكثر فالمتعلم إن تفوق عمودياً على المثقف بحكم التخصص في مجال أو أكثر فإن المثقف يتفوق على المتعلم أفقياً بحكم التنوع والنضج المعرفي والقدرة على استثمار هذه المعرفة بالكم والكيف الذي يتطلّبهُ الموقف.

بقلم الحديدي

24/8/2020

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى