المكرس وعمله الفوق بشري
المكرس … يشارك الإنسان بالألوهية طلما هو يفكر، أنه إلهي لأنه العضو الذي يستعمله إله الأرض في تفكيره. هذا الإله الإنسان هو لنا مثل ما تمثل الشخصية لخلايا عقلنا. إنه نتاج كل العناصر المكونة مجموعة. كما أننا نملك فردياً الذكاء، الذاكرة، الإرادة والخيال… تملك الإنسانية بمجموعتها ما نسميه النفس هذه النفس هي إله المكرس العظيم، زوجة الإله النور ذو الإشعاع الكوني، فهو يعتبر نفسه ذي امتياز خاص أخذ مكانه في حكم العالم، تملك هذه الأسرار ميزات مهيبة وَمُقَدَّسَة وإفشاؤها هو من المدنسات أو المحرمات، لكن هذه الأسرار خفية في جوهرها، لا يتمكن أي عقل عامي إدراك خفاياها دون أن يتحوّل تماماً عن شخصيته الأصلية. (هناك من ينخدع بها التفسير ويتحول إلى الفكر الشيطاني وهذا ما نحذر منه، أي أن يقوم بالتحليل الذاتي دون أن يكون هناك من يدربه ويرشده ، ولهذا وجدت ترتبيه الدرجات وعليه بنية الهيكلية الحقيقية للفلسفة البنائِية) إذ لا يفكر البناء الحقيقي بذات الأسلوب الذي كان يفكر به قبل أن يرتقي ويدرك، الآن لا تتحرك إرادته عشوائياً، بل تتحرك بطريقة العامل الذي يحوّل الشر إلى خير، السلبي إلى إيجابي. يصبح كالباني الذي يعمل الواجب لرفع البناء حسب التص اميم الموضوعة من قبل المهندس ويتقن فنّه فيظهر الجمال المقرون بالحكمة، وقوة الإرادة.
الاجتهاد:
واجب المكرس معرفة عمله، ليكون المثال الصحيح أمام المجتمع يضهر كتوماً أمامهم، كما يظهروا أنفسهم أمام العاميين، عندما يريد تعليمهم، يكفي إعطاؤهم ما يثير تفكيرهم ليحتفظ لنفسه بالنتيجة العقائدية، أولى اهتماماته إعطاء المثل الصالح.
واجب المكرس أن يمتلك اجتهاداً مثابراً في محفله. يتحاشى كل إهمال تجاه المجموعة المرتبط بها ارتباطها به. لا يمكنه الحصول وعلى القوة البنائية الحيوية إلا بالتوحد مع الوحدة العضوية أي المحفل.
لا يحق لأي بناء أنه مفكر عميق عبقري، ففي الواقع ليس أصحاب العقول اللامعة والعباقرة من يخدم مصدر التطور. مهما كان الشخص مظلماً، يبقى تفانيه الحقيقي قوة جبارة، ويمكنه بتواضعه المستمر العمل بفائدة كبرى كمكرس حقيقي. واجبنا أن ندخل قلبنا إذ لا تظهر حرارتنا البنائية وارتباطنا بها إلا من خلال الاجتهاد الذي نملكه في أعمالنا المحفلية.
السيادة على الذات:
يصبح الإنسان المتنور جديراً بامتلاك النار السماوية، واستعمال القوة الخفية الراقدة في الإرادة. لكن يجب أن نحكم داخلنا ونسيطر على ذاتنا بالقدر الذي نأمر فيه الخارج. يقود هذا المبدأ المكرس ليروض نفسه أي قلبه بتخليه عن المصلحة الفردية والابتعاد عن كل شعور غير نبيل وكريم.
واجبه أن يصل إلى عدم الرغبة بكل ما ليس صحيحاً. واجب المكرس الحقيقي أن يبتدئ بالسيطرة على ذاته بطريقة مطلقة قبل أن يصبح سيداً على العالم. لا يجب امتلاك رغبات فردية، عندئذ يدخل في النظام الكوني ويرغب بالمصلحة العامة.
التأمّل:
الحقيقة التي تجذبنا دون مقاومة واسعة جداً، حية ودقيقة جداً لكي تنحبس في نظام ثابت، نشوه صورتنا أحياناً ونحن في طريقنا إلى كشف بعض أشكالها. هذه هي حالة الصورة، الصيغات والعقائد التي حولناها إلى حقيقة، نعطيها أشكالاً خاطئة ونثبتها لكي تصبح ملموسة بعض الشيء.
هذه الحقيقة مشوهة أو شبحاً مشوهاً من الحقيقة الكبرى التي يتأمل فيها المكرس دون أن يكشف جوهرها. يعلمه التكريس أن ينسى فترة من الوقت ما يتعلق بالآخرين، لينطوي على نفسه ويغوص في أعماق عقله كي يقترب من مصدر الحق، عندئذ يبدأ بتثقيف نفسه، ليس بسماع المحاضرات العلمية بل بممارسة التأمل. دون شك لن يتوصل أبداً إلى الثقافة إذا اكتفى بكتب المدارس أو الجامعات. لكن ما نفع أن ننمي ذاكرتنا بهذه المعلومات، دون أن ندرك أن هذه الأمور مجرد وهم يظهر لنا حقائق شبه مشوهة؟
إن الساذج والبسيط هو أقرب إلى الحقيقة من الذي يغوص في كتب تحوي حقائق مشوّهة وخاطئة. الجودة أهم من الكمية بما يتعلّق بالمعرفة. إعرف قليلاً لكن إعرف جيداً. تعلم أن تميز بين الحقيقي والظاهر، لا يجب أن نتوقف عند ظاهر الكلمات والعبارات، بل يجب أن نقوم بجهد عقلي يسمح لنا بالتدقيق بالغير ملموس بمبدأ الفكرة، أي بعمق الكلمة، عندئذٍ نستخرج ما لم يستخرجه العاصي. هنا يأتي تميز المكرسين بتعمقهم بالروح وبقدرتهم على الإدراك، لكي تتكرس، اقرأ قليلاً، فكر كثيراً، تأمل تكراراً ولا تخف أن تحلم.
القدرة التكريسية:
شبهة الإرادة بالصاعقة المفيدة، لأنها تمثل في المجال النفسي الكهرباء. ومن هنا يمكن تصويرها بالضغط الظاهر. التيار الحي والطوعي كما يمكننا التكلم عن عمل منتهي بمساعدة تموج ذبذبات العقل. إستطاع المكرس، معتمداً على هذه الذبذبات، الغوص في اسرار النفس البشرية. اعتقد ان الارادة الفردية الضعيفة والمضطربة ليست سوى جزءاً من الإرادة العامة، العظيمة والثابتة.
يقوم هذا المبدأ لتطبيق علم الأرواح، أي إستعمال الفعال لقوى الآلهة كمجموعة روحية. يكفي أن يتحقق مثل الحجر المكعب لكي نستفيد من هذه القوى الإلهية ولكي نمتلكها. عندئذ نصبح كاملين كأعضأء المجتمع البشري فيعطينا هذا المجتمع كل القوى المتوفرة لديه. لهذا السبب واجبنا إستعمال القوى الخصبة التي إمتلكها الأبطال القدامى الذين كانوا مكرسين حقيقيين .