القديس سمعان العمودي – فن بناء الكنيسة و الدير
وُلِدَ سمعان حوالي عام ٣٨٩ م في بلدة سيس القريبة من أضنة بتركيا وقد أخذ عن والديه مهنة رعي المواشي وهو فتى صغير .
يُروى أنه في غفوته ذات يوم بدا له دعوة من عند الرب ليجاهد في حياة القداسة فانضمّ إلى جماعة من النُسَّاك قرب سيس وبقي معهم مدة سنتين ثم انتقل واستقرّ في دير برج السبع الذي يقع غرب مدينة حلب بحوالي ٦٠ كم حيث كان يٌقيم في الدير حوالي ثمانين راهباً فكان يقضي وقته في الصلاة والتقشّف ويتناول الطعام مرة واحدة في الأسبوع وشدَّ مَرّة حبلاً خشناً على جسده للإمعان في التقشّف فأدّى هذا إلى نزف دمه ولم يقبل بمعالجة الجرح فطُلب منه مغادرة الدير كي لا يجاريه بهذا العمل من الرهبان ضعاف البنية فغادر الدير بعد أن أمضى فيه عشر سنوات .
في عام ٤١٢ م لجأ سمعان إلى قرية دير سمعان حالياً شمال غرب حلب فعاش في هذه البلدة مدة ثلاث سنوات حيث واصل جهاده فكان يصوم أيام عدّة يبقى فيها واقفاً مسبّحاً الله وأقام في صومعة وصام الصوم الأربعيني منتصباً على قمة عمود ليلاً ونهاراً دون طعام أو شراب رغم وجود عشرة أرغفة من الخبز وجرّة ماء قربه وأصبح صوم الأربعين عادة لديه رافقته حتى آخر حياته على العمود
ذاعت طريقة حياته فكان الزوار يقصدونه من كل حدب وصوب على مختلف جنسياتهم ومن كل الدول حيث ساهمت العلاقات التجارية بين أنطاكية والعالم الروماني في ازدياد شهرته فيُذكَر أنه كان يُرسِل تحياته إلى القديسة جنفياف شفيعة باريس مع التجار الذين كانوا يزورونه وبغية تجنّب مضايقة الزوار العديدين انتصب سمعان على عمود حجري أقيم له بارتفاع ذراعين حسب النص السرياني وأخذ العمود يزداد ارتفاعاً بازدياد أعداد الجموع التي كانت تقصده حتى وصل إلى ٤٠ ذراعاً امضى القديس سمعان على هذا العمود ٤٣ عاماً لم تطأ قدماه الأرض معتزلاً في عُلِّيته المثبّتة في رأس العمود متعرّضاً لعوامل الطبيعة من حرّ وقَرّ ورياح وأمطار وزوابع ونظراً لأهمية العمود في حياة القديس سمعان فلا بد من وصفه بالتفصيل
العمود :
كان قطر العمود ١١٠ سم وطوله وصل الى أكثر من ١٢ م وكان في أعلى العمود ألواحاً خشبية تستند عليه ولها جوانب كالدرابزون أو كالتصوينة وهي بأبعاد إما مربّع طول ضلعه ٢ م أو بشكل مسدس أو دائري بحيث تشكّل مساحتها حوالي ٤ م مربع يُقيم فيها الناسك العمودي وتمكّنه من الوقوف والسجود والنوم وتُثبّت بجسم العمود من الأعلى بواسطة زوايا وبمسامير معدنية وكان من مستلزمات العمود وجود السلّم لتوصيل الطعام إليه وللصعود إلى مسكن الناسك وحيث أنه من العار على العمودي أن ينزل من عموده قبل وفاته فكان لابد من تأمين الناحية الصحية إذ كان هناك دورة مياه علوية ترتبط عن طريق أنبوب من الفخار يصل إلى حفرة فنيّة قريبة من قاعدة العمود كما كان هناك غطاء لهذا المسكن من سعف النخيل لحماية القديس سمعان من حرارة الشمس والمطر وقد أزاله في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته و بعد وفاته التي قيل أنها حصلت وهو يصلي على العمود دفن على بُعْد خطوات من المكان الذي عاش فيه و بعدها نُقِلَ إلى كنيسة قسطنطين في أنطاكيا وفي عام ٤٧١ م نُقِلَ رُفاته للمرة الثالثة إلى المدفن الذي بناه الإمبراطور ليون وذلك على الضفة الغربية من البوسفور في العاصمة القسطنطينية ويقال أنه بداخل كنيسة آية صوفيا الحالية التي بدأ بناء الكنيسة الأولى مكانها عام ٣٦٠ م بأسماء مختلفة وهدمت ورممت عدة مرات حيث انتهى البناء بها عام ٥٣٧ م بإسم آية صوفيا او بيت الحكمة الالهية ،
هناك أقاويل كثيرة عن عبادة البعض لهذا العمود إلا أنها كلها مغلوطة وناجمة قطعا عن التراجم الخاطئة للنصوص السريانية ذات الصلة به .
الكنيسة:
تعتبر كنيسة القديس سمعان جوهرة كنائس المدن المنسية ومن أضخم الكنائس التي بنيت في العالم
أقيمت حول العمود الذي قضى عليه القديس معظم حياته وكانت على شكل صليب مؤلف من أربعة أجنحة متعامدة فيما بينها وقد ارتبطت الأجنحة مع بعضها حول العمود بواسطة شكل مثمّن قطره ٢٨ م حيث كان كل جناح بحد ذاته عبارة عن كنيسة ذات بهو رئيسي وبهوين جانبيين يفصل بينهما صفان من الأعمدة والأقواس البديعة والعالية وقد بلغت مساحتها ٥٠٠٠ م مربع وكان طول الكنيسة من الشرق إلى الغرب مع المثمّن ١٠٠ م ومن الشمال إلى الجنوب ٨٨ م وعرض كل جناح ٢٤ م وإن عدد أبواب الكنيسة المصلّبة ٢٧ باباً
بنيت الكنائس الأربعة أي أضلاع الصليب على النمط البازيليك أي على شكل رواق واحد مقسوم إلى ثلاثة أقسام بواسطة ثمانية قناطر محمولة على تسعة أعمدة وبهذا فإن الكنيسة تشمل على جميع أنماط البناء البازيليك والمثمن والمصلب معاً في آن واحد ولقد تميز الضلع الشرقي عن بقية الأضلاع أو الكنائس لكونه كان الكنيسة الرئيسية فتتشابه الكنائس أو الأضلاع الغربية والشمالية والجنوبية من حيث الحجم بالنسبة إلى قاعدة عامود القديس أما الضلع الشرقي فهو أعظم تلك الكنائس سعة وأجملها زينة وأهمها شأناً وأطول من بقية الأضلاع وليس على خط مستقيم تماماً مع الضلع الغربي وإنما ينحرف قليلاً إلى الشمال ذلك أن الجهة الشرقية من قاعدة عامود القديس سمعان المربعة غير متجهة تماماً نحو الشرق فاقتضى الأمر إلى إمالة الضلع الشرقي بكامله نحو الشرق ففيها كانت تقام القداديس والصلوات الاحتفالية أيام الآحاد والأعياد ويشترك فيها أهل الدير والحجاج على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم في حين كانت تفتح الكنائس الثلاث الأخرى يومياً أبوابها لجماهير الحجاج وكان كل فريق يصلي بلغته الخاصة
دير ومقبرة الرهبان:
يشكل بناء الدير الملحق بالكنيسة مع ضلعيها الشرقي والجنوبي باحة مستطيلة ويتألف من بناء ذي طبقة أرضية وطبقتين علويتين فوقها خصص جزء من الطبقة الأرضية إسطبلاً للحيوانات وقد أضيفت بعض الجدران في القرون الوسطى
كانت إقامة الرهبان في الجهة الشرقية منه وقامت إلى الجنوب الشرقي لضلع الكنيسة الكبرى كنيسة صغيرة أو مصلى خاص بالدير يستعمل لصلوات الرهبان اليومية وهي من طراز البازيليك المؤلف من بهو رئيسي في الوسط وبهوين جانبيين يفصل بينهم أعمدة وأقواس ، والحنية كالعادة باتجاه الشرق
تبلغ مساحة الدير مع باحته والمقبرة ٥٠٠٠ متراً مربعاً ، المقبرة الخاصة بالرهبان يعود بناؤها إلى نهاية القرن الخامس الميلادي وتقع على الشمال الشرقي من الكنيسة الكبرى قرب السور الشمالي وهي عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل نحتت في الصخر وتضم في كل من جدارها الشمالي والجنوبي ثلاثة قبور وفي الجدار الشرقي قبرين فقط وقد جوفت ارض هذه الغرفة بقبو حفر بكامله في نفس الصخرة بغية وضع عظام المتوفين من الرهبان بعد إخراجها من القبور الجدارية
القلم الحديدي 11/9/2020