مقالات متنوعة

الحجاب

 

الحجاب لغة : المنع والستر والحيلولة يقال للبواب حَاجِبٌ لأنه يمنع من الدخول وامرأة محجوبة قد سترت بستر والأصل في الحِجَابِ جسم حائل بين شيئين .

وفي الإصطلاح:  ينقسم الحجاب إلى معنيين

الحجاب بمعناه العام : وهو المنع والستر

حجاب بمعناه الخاص: هو حجاب المرأة

و ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ كلباس تعريفاً : ﻫﻮ قطعة من القماش يتم فيها تغطية جزء من الرأس أو الوجه .

مقدمة تاريخية :

كان الحجاب عادة منتشرة من عادات بلاد الهلال الخصيب منذ آلاف السنين فقد ﺍﺭﺗﺪﺕ ﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﻓﻲ تلك البلاد الحجاب كعلامة على الإحترام والمكانة العالية وإنتقل بذات المعنى إلى ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ فقد ﺗﻢ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﻝ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﻣﻮﺛﻘﺔ ﺇﻟﻰ الحجاب ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺁﺷﻮﺭﻱ ﻣﺘﻮﺳﻂ ﻳﺮﺟﻊ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ﺇﻟﻰ  1400 ﻭ 1100 ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ حيث ﻛﺎﻧﺖ ﻟﺪﻯ الأشورين ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ واضحة و ﺻﺮﻳﺤﺔ ﺗﻮﺿﺢ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ شروط ارتداء النساء للحجاب والقوانين المرافقة له وتحديد من له الصلاحية في إرتدائه فقد كان يحظر على الجواري والعاهرات إرتداءه ويفرض عقوبات قاسية جداً في حال تم القاء القبض عليهم وهم يرتدونه كعقوبة الجلد مثلاً أو قطع الأذن وبالمقابل كان الأشوريون يفرضون لبس الحجاب على النساء الأحرار لتميزهم عن العاهرات والجواري  فلم ﻳﻜﻦ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻣﺠﺮﺩ ﻋﻼﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻷﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻴﺔ فقط ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﺃﻳﻀًﺎ ﻳﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺤﺘﺮﻣﺎﺕ والبغايا ‏.

ﺃﺩﻯ التداخل بين شعوب الهلال الخصيب والأمبراطوريتين الفارسية واليونانية ﺇﻟﻰ ﺗﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ فقد ﻛﺎﻥ ﺣﺠﺎﺏ ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ منتشراً  ايضاً  ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﻋﺎﻣﻲ 550 ﻭ 323 ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ فنجد العديد من التماثيل اليونانية الكلاسيكية والهلنستية ﺗﺼﻮﺭ ﻧﺴﺎﺀً ﻳﻮﻧﺎﻧﻴﺎﺕ تضعن ﻏﻄﺎﺀً للرأس بذات المعنى الموجود في بلاد الهلال الخصيب دلالة على السلطة والمكانة العالية و لإظهار تواضعهن وعفتهن كما إعتقدوا أن الحجاب يحميهن من العين الشريرة لكن الفتيات الغير المتزوجات لم ترتدين الحجاب الإ بعد زواجهن وتحديداً حجاب الوجه لذلك جادل البعض في ان هذا الفعل يمثل سلطة الرجل على زوجته و إذا قامت الزوجة بإزالة غطاء الوجه كان يدل على خروج الزوجة عن سلطة رجلها أي خروجها من الزواج و يستشهدون بحادثة مدونة من العام 166 ق. م  حيث ﻃﻠﻖ ﺍﻟﻘﻨﺼﻞ ﺳﻮﻟﺒﻴﺴﻴﻮﺱ ﺟﺎﻟﻮﺱ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻷﻧﻬﺎ ﻏﺎﺩﺭﺕ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ مكشوفة الوجه ﻣﻤﺎ ﺳﻤﺢ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺑﺮﺅﻳﺔ ﻣﺎ  ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺮاه هو فقط.

استمر الحجاب مع الإمبراطورية الرومانية ومناطق نفوذها ومنها سوريا فنجد على سبيل المثال في تدمر عدداً كبيراً من المنحوتات لشخصيات تدمرية ترتدي اغطية الراس الملفوفة بطريقة معينة والتي نراها اليوم مع بعض النسوة من كبار السن يرتدونها بذات الطريقة  .‏

 الحجاب في الأديان السماوية :

لقد تم ﺍنتقال لبس الحجاب ﻣﻦ قبل ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺘﻴﻦ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﺎﺭﺳﻴﺔ من خلال الديانة اليهودية أيضاً حيث كان ﺭﻣﺰًﺍ ﻟﻼﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ العالية ويبدو أن الشعور اليهودي في التفوق كان الأصل في تشريع هذا اللباس ومن ثم تمت إضافة المفاهيم الذكورية الخاصة بالحجاب والتي كانت غير واضحة جيداً في الفترات السابقة والتي نراها في الأديان السماوية حيث أمرت ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ من خلال الكتاب المقدس المرأة ﺑﺘﻐﻄﻴﺔ ﺷﻌﺮﻫﺎ  ﻷﻧﻪ ﺍﻋﺘُﺒﺮ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﺠﻠﺐ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ لذلك وجب حجب الأنثى وعزلها عن العالم الخارجي وترسيخاً لمبدأ سيطرة الرجل على المراة وإعتبارها أحد الممتلكات الخاصة به ولا يجوز لاحد الإطلاع عليها لذلك فإنّ معاني الغطاء الجديدة لم تتخلى عن المعاني القديمة لكن كملتها بمفاهيم ذكورية أكبر من الذي كانت عليه بالفترات السابقة كون الديانة اليهودية ديانة ذكورية بإمتياز ترتكز على دنو مرتبة الأنثى من الرجل كونها مخلوقة من ضلعه حسب الرواية التوراتية فنجد العديد من النصوص التي تبرز اهمية الحجاب في الحياة اليهودية كالنص الذي ﻳﺮﺩ ﻓﻲ ﻣﺪﺭﺍﺵ ﺳﻔﺮ ﺍﻟﻌﺪﺩ 5/18 عن ﺳﺒﺐ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻜﺎﻫﻦ ﺷﻌﺮ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ  ﻷﻥّ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺓ ﺑﻨﺎﺕ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﻌﻮﺭﻫﻦ ﻣﻐﻄّﺎﺓ  ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺈﻧّﻪ ﻟﻤّﺎ ﻳَﻜﺸﻒ ﺷﻌﺮ ﺭﺃﺳﻬﺎ  ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻬﺎ  ‏ﻟﻘﺪ ﻓﺎﺭﻗﺖِ ﺳﺒﻴﻞ ﺑﻨﺎﺕ ﺇﺳﺮﺍﺋﻴﻞ ﺍﻟﻼﺗﻲ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺗﻬﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺭﺅﻭﺳﻬﻦ ﻣﻐﻄّﺎﺓ ﻭﻣﺸﻴﺖِ ﻓﻲ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻮﺛﻨﻴّﺎﺕ ﺍﻟﻼﺗﻲ ﻳﻤﺸﻴﻦ ﻭﺭﺅﻭﺳﻬﻦ ﻣﻜﺸﻮﻓﺔ . ‏

أما في المسيحة فكانت ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺗﻐﻄﻴﺔ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺑﺎﻹﺟﻤﺎﻉ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﻜﻨﻴﺴﺔ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮﺓ وﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺷﻬﺪﻩ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻃﻮﺍﻝ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻠﻤﺴﻴﺤﻴﺔ وتعتبر ﺃﻓﻀﻞ مثال حول الحجاب في المسيحية المبكرة ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ الوارد ﻓﻲ رسالة بولس لاهالي كورينثوس ‏ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻮﺍﺗﻲ ﺧﻠﻌﻦ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﻭﺛﺎﺭ ﺍﺯﻭﺍﺟﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻮﻟﺲ أﻥ ﻳﻌﻴﺪﻭﺍ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺃﺱ

فكانت ﻋﺎﺩﺓ ‏ﺍﺭﺗﺪﺍﺀ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺃﺱ ‏قاعدة اساسية ‏ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻜﻨﻴﺴﺔ وهذا ما ﻳﺆﻛﺪه ﺍﻟﻔﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﺍﻟﻤﺒﻜﺮ عبر رسم ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻳﺮﺗﺪﻳﻦ ﻏﻄﺎﺀ ﺍﻟﺮﺃﺱ مثلا كل ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﻠﺴﻴﺪﺓ مريم ﺍﻟﻌﺬﺭﺍﺀ تظهر بها ﻣﺤﺠﺒﺔ .

و ﻟﻌﺪﺓ ﻗﺮﻭﻥ ﻭﺣﺘﻰ ﺣﻮﺍﻟﻲ ﻋﺎﻡ 1175  ﺍﺭﺗﺪﺕ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻷﻧﺠﻠﻮ ﺳﻜﺴﻮنيات و النورمانديات غطاء الرأس ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﺰﻭﺟﺎﺕ الغطاء ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﻐﻄﻲ ﺷﻌﺮﻫﻦ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ ﻭﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﻛﺎن حجابهم يصل ﺇﻟﻰ ﺫﻗﻨﻬﻦ كما استمرت العادة بتغطية الرأس ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺍﻷﺭﺛﻮﺫﻛﺴﻴﺔ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﻨﺎﺋﺲ ﺍﻟﺒﺮﻭﺗﺴﺘﺎﻧﺘﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ  ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻲ الكنيسة أو في ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ‏.

‏ و مع ظهور الإسلام تبنى ما تبنته الأديان السابقة بالرغم من أن المنطقة التي خرج منها كانت فيها إستخدامات الحجاب قديماً كحماية للراس من الجو الصحراوي في المناطق البدوية أما في المناطق الحضرية فقد استمر ﻋﻠﻰ ﻏﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ التي كانت متبعة من قبل ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ ﻭﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻭﺍﻵﺷﻮﺭﻳﻴﻦ المرتبط بالمكانة الاﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ العالية ولتمييز الحرّة والمتزوجة عن العبدة أو الأمة والجارية  .

حيث ورد في ﺳﻮﺭﺓ ﺍﻷﺣﺰﺍﺏ الآية ﺍﻟﺘﻰ ﺗﻘﻮﻝ :

( ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﻨﺒﻰ ﻗﻞ ﻷﺯﻭﺍﺟﻚ ﻭﺑﻨﺎﺗﻚ ﻭﻧﺴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﺪﻧﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﻣﻦ ﺟﻼﺑﻴﺒﻬﻦ ﺫﻟﻚ ﺃﺩﻧﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﺮﻓﻦ ﻓﻼ ﻳﺆﺫﻳﻦ ‏ )  ﻭﺳﺒﺐ ﻧﺰﻭﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻳﺔ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ  ﻛﻦَّ ﻳﻜﺸﻔﻦ ﻭﺟﻮﻫﻬﻦ ﻣﺜﻞ ﺍﻹﻣﺎﺀ ‏لذلك كان بعض الرجال يتلصصون عليهن ويتعرّضون لهنّ فجائت هذه الآية لتبين الفارق بين الجارية والحرّة ويوجد أيضا رواية ملفتة تنسب لعمر بن الخطاب تذكرنا بالعادات الاشورية حول ضرب عمر لكل جارية أي ليست حرّة او متزوجة تدني جلبابها او تتخمر و تخفي وجهها اي تتشبه بالحُرّات والمتزوجات .

إذاً لم يكن الحجاب مفروضاً أو إلزامياً أكثر منه عادة اجتماعية موروثة اختيارية عقب قيام الدولة أو الإمبراطورية الإسلامية و ﺣﺘﻰ ﺃﺟﻴﺎﻝ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ الرسول ﻣﺤﻤﺪ لكن ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪﺃﺕ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻛﻮﺭ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﺳﻠﻄﺘﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻻﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻘﺪﻭﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ من جهة نتيجة لتوسع وامتداد الدولة او الامبراطورية العربية الاسلامية واختلاطها بالحضارات والثقافات المختلفة ونظراً  ﻷﻥ ﺍﻹﺳﻼﻡ مرتبط ﺑﺎﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪﻳﺔ ﻟﻺﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﺘﻠّﺔ التي كانت قد شرعت إجتهادياً الحجاب فيما مضى تبعاً للاسباب التي ذكرناها سابقاً من جهة أخرى ﻓﻘﺪ ﺗﻢ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ من قبل هؤلاء المشرعين بل تجاوز الامر لإعتبار البعض منهم للحجاب شرعاً وفرضا واجبا إلهياً فاﻧﺘﺸﺮ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴﺎً ﻟﻴﺸﻤﻞ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ كونهم أول من تقبله نتيجةً للمعاني النخبوية التي كان يحملها في العصور السابقة ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﻭﺍﺳﻊ ﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺎﺕ و لقد ترسخ بشكل قوي ﺣﺠﺎﺏ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻓﻲ العصر الأيوبي والمملوكي وفي ﻇﻞ الإحتلال ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ للدول العربية بشكل عام

وبما أن اسلوب إختراق الحجاب للمجتمع كان ضمن النمط المدني ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﺮﻳﻔﻴﺔ ﺃﺑﻄﺄ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺒﻨﻲ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻷﻥ ﺍﻟﻤﻼﺑﺲ ﺗﺘﺪﺍﺧﻞ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﻬﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻝ حيث كان إﺭﺗﺪﺍﺀ ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﻋﻤﻠﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ لهؤلاء النساء ﺍﻟﻌﺎﻣﻼﺕ .

لكن في القرن العشرين بدأ التداخل الحضاري الغربي و الشرقي والذي أثر بشكل واضح على اسلوب اللباس في المناطق الإسلامية فمنذ الخمسينيات وحتى وقت قريب ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻼﺑﺲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ هي المهيمنة ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻓﻲ ﺑﺎﻛﺴﺘﺎﻥ ﻭﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ ﻭﺇﻳﺮﺍﻥ و مصر وسوريا والعراق حيث ﻛﺎﻧﺖ الكثير ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟﻠﻴﺒﺮﺍﻟﻴﺎﺕ ﻳﺮﺗﺪﻳﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﻧﻴﺮ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮﺓ والفساتين وكانت حياتهن طبيعية بدون حجاب ، لكن ﺷﻬﺪ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ إعادة إحياء ﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ﻓﻲ الشرق الأوسط بشكل عام و في مصر وسوريا والعراق بشكل خاص ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﺨﻔﺎﺽ الذي كانت ذروته ستينات وسبعينات القرن الماضي عبر  ما سُمّي بالصحوة الإسلامية حيث اعتبر الدعاة أنفسهم مكرسين للعقيدة الإسلامية فاختاروا هدفاً لهم إعادة إحياء العادات القديمة كنوع من العودة للسلف الصالح .

القلم الحديدي 14/9/2020

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى