هيكل سليمان
الشرق الاوسط، الجامع بين أكاد وجبيل، بين سومر وصور، المترامي بين مياه دجلة وامواج المتوسط، هو الشرق الذي اتخذت فيه الحضارة اسمى تجلياتها وارقى ابعادها.
وجاءت الكنعانية توسم هذا المخزون الحضاري ببعد انساني، شمولي وكوني، في انتظام ايقاع وتناغم هندسة البناء، البناء فن، الفن ابداع، الابداع مشاركة الناموس الكوني.
الانتصارات الكبرى باسم قادتها، الانجازات الكبرى باسم فاعليها، الروائع الكبرى باسم ممولها، إلا اذا كانت نتاج صانعيها ابداعاً وفعلاً.
هيكل سليمان تسمية تاريخية اصطلاحية، اما فن الهيكل وبناءه ومفاهميه ورموزه، وابعاده فهي جميعاً دلالة عبقرية اخرى غير سياسية، غير تمويلية، هي عبقرية متسامية محبة، وفي اتزان بواطنها وعوالمها.
حيرام ابي كان المهندس، التقني والحرفي والمخطط والصانع بيده، ابن صور هذا قام بصناعة الكون في مقايس الانسان، ونظر إلى الانسان في مقاييس الكوسمسوس. واحياء لهذا التراث انشئ محفل صور رقم 1 رغبة منه في استكمال الطريق المعرفة، إلا ان المعرفة وسيلة المساواة والحرية والاخاء لانه ثالوث البناء الحر.
وأن كلمة محفل مشتقة من أصل روماني ومعناها العالم، ان الاخوان العاملين في حقل الماسونية يقبلون بالبنائين رمزاً لقيامهم بواجب البناء العالمي على اسس الفضيلة والمحبة والاخاء؛ المحفل ورشة لبناء الإنسان.
فالبنائية الحرة تطلب من كل اخ ان يبني هيكله، فسليمان الحكيم مثلاً اتسم بصفة النبوة وطلب منه الرب بناء بيتاً له أي هيكلاً لعبادته، وهذا ما يعني رمزياً ان الانسان عندما يستطيع بناء ذاته يكون قد شرع ببناء هيكله اي جوهر ايمانه المتصل بعالم النبوة المتمثل بسليمان، اما ما قيل ان الماسونية تدعوا لبناء هيكل سليمان في القدس، فهذا يعيدها إلى جذور الصهيونية اي تنفيذ الفكرة القائمة على اساسها (ارض الميعاد)؛ هنا يكون من يتكلم عنها قد اخذ منها القشور والمعاني الظاهرة وابتعد عن الجوهر، وهذا ما ارادته الصهيونية من نشر هذا السر الأساس للفكر البنائي الحقيقي، وتكون بذلك قد حققت هدفين:
الاول: نسبت النهج الماسوني إليها حيث ادخلت العنصر الصهيوني وشجعته على العمل بداخلها وقربت (الرعاع) من الصهيونية باجتماعهم على الهدف الظاهري.
الثاني: حرضت الفكر الأصولي على ضرب الهدف السامي للبنائية الحرة، من خلال بث فكر الإنتماء والاجتماع على توحيد الهدف مع الصهيونية، وبالتالي تكون الاصولية الدينية إلى اينما انتمت قد حققت هدف الصهيونية بضرب البنائية بشكل غير مباشر.
ولما كنا، في حكمة شرقنا، نعتبر مكان العبادة الذي دعي “هيكل سليمان” المثال الأفضل لـ “البنائية الروحيـة” الفينيقية أو الكنعانيـة التي كان الفينيقيون والكنعانيون يهندسونها أو يمارسونها، وسعى إلى تحقيقها “حيرام” الفينيقي في هندسة بنائه للهيكل الحجري المعروف بهيكل سليمان، فإننا نسعى إلى البحث في تكامل البنائيتين، أي بنائية الجسد الإنساني والهيكل الحجري، أو المعبد الحجري.
في هذا المنظور، نعلم، على نحو اليقين، أن البناء الذي دُعي هيكل سليمان، وقام بهندسته وبنائه حيرام الفينيقي، كان ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
- الفناء الخارجي، أي الساحة الخارجية.
- المدخل ذو الأعمدة الخمسة.
- القسم الداخلي الذي يضم في نطاقه:
- أ- غرفة الذبيحة أي المذبح.
ب. غرفة قدس الأقداس.
لما كانت البنائية الكونية والطبيعية ماثلة في كيان الإنسان، “بنائية الهيكل” أي مكان العبادة تتماثل مع بنائية الإنسان ذاته. وعلى هذا الأساس، نذكر المقارنة والمقاربة المتكاملتين بين بنائية جسد الإنسان المتضمنة أو المشتملة على كل ما يوجد في الطبيعة والكون، وبنائية الهيكل الحجري، على النحو التالي:
- الفناء الخارجي، أي الساحة الخارجية، ترمز إلى العالم الخارجي.(الدائرة الاولى) وهي النظرة بمحبة الى كل الناس.
- الأعمدة الخمسة القائمة في المدخل ترمز إلى الحواس الخمس التي هي المدخل الذي من خلاله يلج عالم الخارج إلى عالم الداخل، وهكذا، يصبح عالم الخارج متحداً بكامله في عالم الداخل، ولا يعود الإنسان خاضعاً لتلقائية حواسه الخمس التي هي مجرد مدخل، أي أنها مجرد بوابة عبور فقط. والحق أن الإنسان، الذي يحيا ضمن نطاق حواسه الخمس، لن يكون قادراً على معرفة سرانية كيانه، وسيبقى محتجزاً داخل ظلمة المادة. (الدائرة الثانية) الخروج من الانانية إلى الوحدة مع الذات اللامنفصلة عن الكل.
- غرفة الذبيحة وقدس الأقداس، أي الروح، اللذان يرمزان إلى عالم الداخل حيث يقدم الإنسان ذاته ذبيحة حية، طاهرة ونقية على نحوٍ يكون الجسد فيه هو الذبيحة الحقيقية، وليس الذبيحة الحيوانية، أو القربان أو أي تقدمة أخرى تكون دعاء للمغفرة أو للطلب المادي. (وهذا ما يتمثل بالرياء والنفاق والتملق في العالم المادي) وفي هذا المنظور، لا يكون وجود الإنسان، إثر تقدمت نفسه ذبيحة، حضوراً روحياً في قدس الأقداس ما لم يقدم جسده ذبيحة حية وطاهرة، أي ما لم يتجاوز عالم الجسد، أي جسدية المادة، إلى عالم الروح. وهذا يعني أن الجسد هو هيكل الروح. وهكذا، يحقق الجسد روحانيته على نحو تكون فيه الروح والجسد، الذي هو كمال تطور المادة، حقيقة واحدة.
تلك كانت بنائية حيرام الفينيقي الذي وجد مقتولاً بين المذبح وقدس الأقداس وإثر اغتياله تقدمت جسدية الهيكل، أي مادية البنائية المكانية، وحدها، وتراجعت سرانية وروحانية الهيكل، أي روحانية البنائية، وتم الفصل بين الروح والمادة، وانتصر السلبي في العالم المادي. هذا السلبي الذي ندعوه عالم الانانية. هكذا، تتراجع سرانية المبادئ لصالح ظاهرية العقائد أو الشعائر المجسدة بالعبادة الظاهرية على أيدي المنتفعين الذين يؤمنون بظاهر الحرف ويرفضون سرانية المعنى الماثلة في الروح.