تاريخ الماسونية

بدء البنائية

انفتاح الإنسان على آفاق المعرفة، وفصله بين الخير والشر، وبلوغه مشارف العقل، كانت السبب في سيطرة الإنسان العاقل على الإنسان الجاهل، وأوجدت فئة الكهنة والعلماء والحكماء والعارفين، الذين تميزوا برقيهم وتفوقهم ومعارفهم، واحتلوا مرتبة الصدارة في المجتمع وتبوءوا عرش السيطرة واستأثروا بحق التصرف بمقدرات الشعوب.

 

أصبحوا زعماء ومدبرين وموجهين أسسوا الخلوات والجمعيات والأندية والفرق. فاستهوت هذه المظاهر الشباب، وبقدر ما كانت هذه المؤسسات تنوع وسائل الانتماء إليها وتعقدها وتبهرجها.

 

بقدر ما كانت  مبادئها تحتوي أسراراً ورموزاً ومظاهر، كان الإنسان يتعلق بها تجاوباً منه مع نزعته إلى حب الظهور، وسعياً إلى اكتشاف الجديد من المجهول.

 

لذلك درج الإنسان، منذ أقدم العصور، على إبقاء ما يعرف، أو يختبر أو يكتشف، سراً يجهله الآخرون، ليبقى هو ومن معه ومن حوله، النخبة العارفة والمسيطرة والموجهة لشؤون الحياة المادية والروحية. وإن الشعوب تحتفظ بأسرار ما تكشف لها من ضبط النواميس الطبيعة من أجل سلامتها وتفوقها.

 

وهكذا صار لكل جمعية نظام وطقس، رموز وأسرار، لمسات وإشارات تعارف، وشروط انتماء، وصعوبات في الارتقاء والتدرج، وعقوبات تنزل بخونة القضية وفاضحين  الأسرار، ومن أهم هذه الجمعيات السرية، أو ذوات الأسرار، جمعية البنائين الأحرار.

 

ومما لا ريب فيه أن البنائية، في عهدها الأول ، لم تتخذ شكل الجمعية بمفهومها العام، أنما بقيت جماعة تنعم بامتيازات خاصة من عهد  حمورابي حتى الألف  الأول قبل الميلاد، وتفيد المصادر التاريخية بأن هذه الجماعة كانت توجه الحياة العامة في البلاد، الاجتماعية والسياسية، وكان لها نصيب وافر في الشريعة.

 

من مجموعة قوانين حمورابي “إذا بني مهندس بیتاً بإهمال، تسبب بهدمه ومات صاحب البيت، على المهندس أن يلاقي حكم الموت، وإذا مات ابن صاحب البيت، تطلب نفس ابن المهندس، وإذا مات عبد من عبید صاحب البیت، على المهندس أن يهب عميله عبدا يحل محل العبد المفقود”.

 

ومهما قيل في شريعة حمورابي، فأنها تبقى مصدر الشرائع وأنها كانت تلائم روح عصرها ويكفي كنعان فخراً أن تكون هي مصدر الشرائع ومنها استقى العالم، وحضارات الشعوب، روح الشريعة.

 

وما هذه النظرة العابرة بدليلنا الوحيد على أن البنائية بدأت في كنعان وليس ذلك زمن بدئها في كل حال. إنما ذلك إشارة خاطفة لذوي العقول المريضة، كي يعوا حقيقة بديهية حول ما يدعونه من المنشأ.

فعندما كان النبي إبراهيم (ع)، مؤسس العرق اليهودي، راعياً تائها في براري کنعان، كان الكنعانيون ينعمون،  ليس فقط بأبنية من أضخم وأجمل ما في العالم، بل ايضاً بقوانین وشرائع هي مظهر من مظاهر الرقي والحضارة ودلالة واضحة من دلائل المدنية التي كانت سائدة في كنعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى