مقالات متنوعة

حزام أوريون والعمر الحقيقي للأهرامات

حزام أوريون والعمر الحقيقي للأهرامات…

عام 1979 وبينما كان مهندس مدني من أصل بلجيكي ومواليد الإسكندرية يدعى روبرت بوفال ينتظر في مطار هيثرو بلندن موعد إقلاع طائرته للتوجه إلى مقر عمله في السودان، ابتاع كتابا عنوانه ” لغز نجم الشعرى” (The Sirius Mystery) لمؤلفه روبرت تمبل، استثمارا للوقت بانتظار حلول موعد إقلاع طائرته. وقد كان كتابا مثيراً قلب حياته رأسا على عقب. كان الكتاب يتحدث عن معتقدات قبيلة في إفريقيا تعرف باسم “قبائل الدوغون” درجت منذ ألوف السنين على إقامة احتفالات طقسية. وكانت هذه الطقوس عبارة عن محاكاة لحركة نجم الشعرى (سيريوس) الذي يعتبر من ألمع نجوم السماء وينتمي إلى مجموعة تُعرف باسم الكلب الاكبر.

وقد أعرب تمبل (مؤلف الكتاب) عن الاعتقاد بأن هذه المعلومات الفلكية التي يملكها أفراد الدوغون لا بد أنها متوارثة عبر ألاف السنين، وأنها قد وصلت إليهم من قدماء المصريين، وأن تقصي هذا السر ينبغي أن يُبحث عنه في تاريخ مصر القديمة. وقد كان حصيلة هذا الكتاب انكبابا مضنيا من روبرت بوفال استغرق أكثر من عقد من السنين.

توصل بنهايته الى نظرية أحدثت انقلابا في علم المصريات.

توصل إلى أن مصر بنيلها وأهرامها هي صورة السماء على الأرض !

روبرت بوفال البلجيكي ذوي الاصول المصرية الذي تربي صغيرا في مصر حتي عمر 12 عاما ثم رحل مع والداه إلي لندن حيث تخرج كمهندس معماري واصبح له شهرة واسعة كمهندس جيد.. في إحدي زياراته إلى مصر، توقف روبرت بعض الوقت لزيارة المتحف المصري، كان هناك لوحة معينة للأهرامات يرغب في رؤيتها، كان ذلك في عام 1983 تحديدا أي بعد قراءته لكتاب روبرت تمبل بأربع سنوات، ذهب روبرت وتوقف أمام اللوحة، وظل ينظر إليها.

الأهرامات من منظور مرتفع على بعد 2 كم تقريبا،

ومع ذلك فالأهرامات تبدو شديدة الوضوح بسبب ضخامتها

الاهرامات …

ثلاثة أسئلة أثارت في ذهنه عن اللوحة، ثلاثة أسئلة مرت على آلاف قبله وتمر علينا كل يوم.. لكن عقل روبرت لم يهضمها.

السؤال الأول – لماذا يوجد 3 أهرامات في الصورة ؟، لعلك تسخر وتقول يا لها من ملاحظة، في الحقيقة أنه تساءل لماذا ثلاثة أهرامات تحديدا .. لماذا ليسوا اثنين أو أربعة أو خمسة؟

الإجابة من علماء المصريات أن الأهرامات هي مقابر ملوك الأسرة الرابعة من الدولة القديمة والذي عُرف عصرهم بعصر بناة الأهرام في فترة 2500 قبل الميلاد تقريبا.. خوفو وخفرع ومنقرع وعلى ذلك فهم 3 أهرامات.

السؤال الثانية – لماذا يبدو هرم منقرع الثالث صغير الحجم مقارنة بالهرمين المجاورين؟

إن هرم خوفو هو الأضخم حجما (بطول 146 متر) يليه خفرع (136 متر).. ولقد أعطانا الأثريون سببا لطيفا لذلك ووهو أنه بنى هرما أصغر كثيرا من أبويه بسبب التكلفة الباهظة التي تكبدها الدولة لبناء الهرم من قطع أحجار وعمال .. الخ

لكن المثير أن الهرم الثالث أصغر منهما كثيرا، فالهرم الثالث بارتفاع 65 متر، وهو ما يزال معجزة ضخمة، لكن مقارنة بالآخرين يُعد ضئيلا، تماما مثلما تركب سيارة كبيرة ثم تقف بجانب شاحنة عملاقة.

ورغم أن التفسير غير مقنع بالمرة، لأن شبسكاف على سبيل المثال وهو ابن منقرع قد اتخذ مقبرة عبارة عن مصطبة من عدة صفوف حجرية. لا يزيد ارتفاعها عن 15 مترا، وهي أقل كثيرا في تكلفتها من الهرم .. فماذا لم يتخذ منقرع مقبرة عبارة عن مصطبة بدلا من الهرم طالما أنه يخشى من ترنح اقتصاد الدولة وضجر الشعب؟!

السؤال الثالث – لماذا يبدو هرم منقرع بعيدا عن محاذاة هرمي خوفو وخفرع؟

كان من الطبيعي أن يوضع هرم منقرع على نفس المحاذاة مع الهرمين السابقين، لكن ذلك لم يحدث، لقد كان أبعد عنهما قليلا، فإذا رسمنا خطا يمر بمركزي هرمي خوفو وخفرع، فسنجده بعيدا عن منقرع، بالتأكيد ذلك لم يحدث خطأ، فبناء صروحا جبارة كتلك يدل أن مهندسيها كانوا على درجة عظيمة من العلم والهندسة ولم يكن شيئا كهذا ليحدث خطأً. فإذا رسمنا خطا يمر بمركزي هرمي خوفو وخفرع .. فسنجده بعيداً عن منقرع.

لقد احتار روبرت في تفسير ذلك لسنوات ولم يقتنع بتأويلات علماء المصريات من أنها مقابر متفاوتة الأحجام حسب الحالة الاقتصادية، وكان في قرارة نفسه كمهندس مدني موقنا من تصميم الأهرامات بهذه الأحجام والمواقع قد حدثت كلها مرة واحدة، كأن تضع تصميما لمدينة سكنية فتضع تصميم الشوارع والعمائر والحدائق في نفس الوقت واللوحة.. لكن اللغز ظل مستعصيا عليه.

حتى كان في رحلة عمل في أحد المشاريع في المملكة العربية السعودية، تجول ذات ليلة صافية مع صديق فرنسي في الأراضي الصحراوية الشاسعة بينما النجوم تتلألأ في السماء..

حين أشار صديقه لمجموعة من ثلاثة نجوم في السماء يمثلون خطا غير أن أصغرهم يبعد عنهم قليلا

رفع روبرت نطره إلى النجوم مليا وفجأة برقت عيناه وصاح صيحة مدوية..

حين وقعت عيناه على مفتاح حل اللغز..

نجوم حزام أوريون..

حزام أوريون …

حزام أوريون.. هي مجموعة نجمية تتكون من 3 نجوم وتُعرف باسم “نطاق الجبار” أو “حزام الجبار” لأنها كانت جزء من مجموعة نجمية تُعرف باسم “الجبار”.. وهي كمعظم النجوم بأسماء عربية.

لقد وجد روبرت أن الأهرامات تتبع مجموعة حزام أوريون بتطابق مدهش..لقد فسر له ذلك في لحظات سبب أحجام الأهرامات والمسافات بينها بشكل شديد الدقة.

نجوم حزام أوريون الثلاثة (النطاق – النيلام – المنطقة) – بحسب الاسماء العربية خط يمر بمركزي النطاق والنيلام، والمنطقة أبعد قليلا وأهرامات الجيزة الثلاثة (خوفو – خفرع – منقرع) خط يمر بمركزي هرمي خوفو وخفرع ومنقرع أبعد قليلا بنفس النسبة.

نجوم حزام أوريون الثلاثة (النطاق – النيلام – المنطقة) – بحسب الاسماء العربية خط يمر بمركزي النطاق والنيلام، والمنطقة أبعد قليلا وأهرامات الجيزة الثلاثة (خوفو – خفرع – منقرع) خط يمر بمركزي هرمي خوفو وخفرع ومنقرع أبعد قليلا بنفس النسبة

أحجام الأهرامات مكافئة لحجم ولمعان النجوم.. والمسافات والترتيب بينهما مكافئ للمسافات بين نجوم حزام أوريون كان كشفا مذهلا، لقد كانت الإجابة أمامنا طوال الوقت، لكن أحدا لم يراها.

أراد بوفال مناقشة الفكرة مع عدد من علماء المصريات، فأرسل إلى مدير قسم المصريات في المتحف البريطاني في ذلك الوقت د.جيمس .. فكان رده بعد عدة أسابيع أنه يرى أن ذلك مصادفة ليس إلا. لم ييأس بوفال وحاول مرة أخرى مع العالم المعروف د.إدواردز والذي كان مدير المتحف البريطاني .. وقد تحمس إدواردز للفكرة . وطالبه بالمواصلة وقاما باللقاء والتراسل لم يتوقع روبرت عند هذا الحد، لقد كانت تلك البداية، قرر روبرت توسيع رقعة البحث فنظر إلى المجموعات الهرمية كلها، فماذا وجد؟ وجد أن مصر بأهراماتها ونيلها هي صورة السماء على الأرض.

التطابق الجغرافي بين الأهرامات ونجوم السماء

درب التبانة نيلا سماوياً…

نهر النيل هو الانعكاس الأرضي لمجرة درب التبانة التي تمثل نيلا سماويا. أما نسق أهرام الجيزة فتتبع على الأرض نسق ترتيب نجوم مجموعة أوريون في السماء وحجمها وشدة لمعانها وموقعها النسبي من درب التبانة الذي كانت بمثابة نيل سماوي.

ويعني ذلك أن الأهرامات لم تُبن بمعزل عن بعضها البعض كما كنا نعتقد. بل كانت جزءا من خطة هندسية كبرى تستند الى خلفية دينية عقائدية واعتبارات جيومترية ومسحية بمعرفة دقيقة جدا لأحوال الفلك وأن مجرة (درب اللبانة)، هي النيل الحقيقي وأن النيل الارضي ليس سوى انعكاسا لها.

الأهرامات السبعة كلها العائدة الى الأسرة الرابعة وهي (هرم دهشور وأهرامات الجيزة الثلاثة وزاوية العريان وهرمي دهشور) منسقة على الأرض تماما بنفس النسق الذي تتخذه النجوم السبعة في مجموعتي “أوريون” و”القلائص” في السماء. ولا بد من الاشارة الى ان نجوم القلائص قد اقترنت بدورها في التاريخ المصري القديم بـ ” الإله “سيت” شقيق “أوزوريس” وقاتله (2)

بعد بحث طويل في متون الأهرام وعلاقتها بالنجوم قام بوفال بنشر تلك النظرية على مقالين في صحيفة أثرية علمية.

لقد رأى بوفال أنه أدى ما عليه وربط علاقة الأهرامات بالنجوم مخالفا ما اتفق عليه علماء المصريات حديثا حول علاقة الأهرامات بالشمس .. ورأي ان يتوقف في البحث عن ذلك الحد

لكن ملاحظة صغيرة لاحقة ستفتح الباب لما هو أعظم من ذلك

عُمر الأهرامات…

يعتقد علماء المصريات أن الأهرامات بُنيت عام 2450 ق.م، ولعلك ستجد اختلافا طفيفا بين عالم وآخر فمنهم من يرى أنها 2600 ق.م .. آخرون 2450 ق.م .. وهكذا

لكن لماذا تلك الفترة ؟

لقد رأوا أن الفتحة النجمية في حجرة الملك، تُشير إلى نجم الشعرى اليماني في عام 2500 ق.م .. ونجم الشعرى هو النجم الذي كان يُعظمه قدماء المصريون باعتباره علامة قدوم الفيضان والخير على البلاد. ومن هنا نشأ ذلك الاختلاف الطفيف .. فكل عالم يحسبها بطريقته بورقة وقلم، فمنهم من وصل أن تلك المطابقة حدثت 2450 ق.م ومنهم من رأى أنها 2600 ق.م

حينما بدأ روبرت بدراسة تلك الأرقام، وجد أن فلكيا في عام 2450 ق.م، والذي هم رسميا عصر بناة الأهرام لم يجد المطابقة بين نسق أوريون والأهرامات، لقد وجد زاوية الانحراف كبيرة، النيل يوازي درب التبانة، لكن نسق أوريون ليس مطابقا للأهرامات.

شكل حزام أوريون عام 2450 قبل الميلاد وهو الزمن الذي يتبناه علماء الآثار لبناء الأهرامات . نهر النيل يوازي درب التبانة.. لكن نجوم أوريون لا تتطابق مع نسق الأهرامات

هنا برز سؤال أشعل رأسه .. هل يُمكن أن يكون الأثريون قد أخطأوا في تحديد عُمر الأهرامات؟

عمر الأهرامات

 للإجابة على هذا السؤال كانت الخطوة التالية أن يُحدد روبرت عُمر الأهرامات.. اشترى برنامج كمبيوتر اسمه SkyGlobe .. هذا البرنامج  يُمكنه من خلاله معرفة مواقع النجوم على مر الأزمنة .. فنسق النجوم يتغير عبر السنوات لأن النجوم تدور في أفلاك.. فمثلا إذا أخذت صورة بالكاميرا للسماء الآن من موقعك هذا.. ثم أخذت صورة أخرى بعد 100 سنة بالضبط من نفس الموقع.. فسترى اختلافا في شكل النجوم. بدأ روبرت العمل على البرنامج وكان ذلك في أوائل التسعينات حيث التكنولوجيا الرقمية في مهدها

لقد وضع روبرت افتراضا أن عُمر الأهرامات هو نفسه موعد أقرب مسافة لحزام أوريون من الأرض، كان الهدف هو مطابقة نسق الأهرامات مع نسق حزام أوريون، تم بناء البرنامج وظل روبرت بوفال يرجع ببرنامج الكمبيوتر عاما بعد عام حتى وصل إلى المطابقة الكاملة بين شكل نسق الأهرامات ونسق السماء. لكن الرقم الذي ظهر على الشاشة كان مفاجأة.. لقد أوضح البرنامج أن عُمر الأهرامات 10450 ق.م!

صورة من برنامج سكاي – جلوب SkyGlobe

لقد أيقن روبرت أن أمامه حرباً أخرى عالمية بعد ذلك الكشف .. أعاد التجربة مرات ومرات .. ببرامج أخرى ووصل إلى نفس النتيجة

في العام 10450 قبل الميلاد حصل حدثان فلكيان نادران فوق سماء مصر القديمة أحدهما تم بمحض الصدفة والثاني لا يتكرر إلا مرة كل عشرات الالوف من السنين.

الأول ان درب اللبانة، الممتد من الشمال الى جنوب قبة السماء، اتخذ وضعا تطابق فيه شكلا مع المجرى الشمالي الجنوبي لوادي النيل الى حد بدا من هضبة الجيزة وكأن النيل هو نسخة كاملة وصورة أمينة لمجرة لدرب اللبانة وبالواقع بدا الدرب وكأنه نيلا سماويا.

والثاني انه غرب درب اللبانة بلغت نجوم حزام أوريون الثلاث أقرب نقطة لها من الارض في دورتها التي تتكرر مرة كل 26000 عام

إذا فقد دون القدماء عمر بناء الأهرامات ضمنا في هندسة البناء بشكل غير قابل للمحو والضياع أيا كان الزمن وهو ما تم إثباته في عصرنا الحاضر على يد روبرت بوفال. (4)

بكل المقاييس كان هذا الكشف المذهل سيعيد كتابة التاريخ المصري مرة أخرى.. لأنه عاد بعمر الحضارة المصرية ما يفوق 8000 آلاف من السنين قبل عمرها المؤرخ رسميا.

لكن لماذا النجوم؟ وما الذي رآه القدماء في النجوم؟ ثم من هؤلاء الذين بنوا الأهرامات؟

أسطورة إيزيس وأوزوريس

أوزوريس

قبل أن نكمل نظرية روبرت بوفال نحتاج إلى المرور على أسطورة إيزيس وأوزوريس بإيجاز.. كان أوزوريس في الاصل إلها وانسانا في آن. وملكا ارضيا محبوبا علم الناس الحكمة وأسس الحضارة. وكان متزوجا من شقيقته إيزيس. وكان “ست” شقيق أوزوريس يشعر تجاهه الغيرة فتآمر عليه. وفي أحد الأيام سرق مقاييس جسم أوزوريس وصنع صندوقا جميلا بحسب هذه المقاييس. ثم أقام مأدبة دعا أوزوريس إليها مع رهط من المتآمرين. وخلال المأدبة قال “ست” أن الذي تنطبق عليه قياسات الصندوق يستطيع أن يأخذها وما أن دخل أوزوريس إلى داخل الصندوق حتى أُحكم ست إغلاقه وبالرصاص الحامي وفي رواية أخرى أن ست مزق اوصال أوزوريس إلى 16 قطعة ورمى كل واحدة في مكان في مصر. وفي كلتا الحالتين تعقبت إيزيس رفاة زوجها واستطاعت ان تعثر عليها و تعيد تجميعها. وكان ذلك أول مومياء في مصر وكما استطاعت بما كان لديها من سحر أن تعيدها الى الحياة لبرهة وجيزة تمكنت خلالها من أن تجعله يخصبها.

وباكتمال مهمته حول أوزوريس نفسه الى نجمة وانضم الى كوكبة أوريون واستقر فيها مؤسسا مملكة الموت أو “الدوات” بالمصرية القديمة. أما إيزيس فقد أخفت نفسها وحين جاء الوضع أطلقت على ابنها اسم حورس. وحينما شب حورس أراد الانتقام لأبيه فتحدى عمه للمبارزة. وخلال المبارزة َفَقد حورس عينًا كما فقد ست خصيتيه. ولأن النتيجة لم تحسم حسب الأسطورة، تدخل الإله رع وأقر بالغلبة لصالح حورس الذي أصبح ملكا على مصر ومؤسسا لسلالة ملوك مصر.

منذ ذلك الحين فان جميع ملوك مصر الذين تعاقبوا على الملك بعد “أوزوريس” وانتصار ابنه “حورس” على عمه “ست”، كانوا يعتبرون أنفسهم تجسيدا لحورس وأن كل فرعون بدوره كان يلتحق بأوريون بعد وفاته من خلال طقس جنائزي تُكرر فيه عملية انتقال “أوزوريس” إلى الفلك.

تتشابه قصة أوزوريس مع نبي الله إدريس عليه السلام إذا ما تم استبعاد الجزء الأسطوري من القصة.. فكلاهما عاش في مصر.. وكلاهما علم الناس الكتاب والحكمة وعلوم الأرض وتتشابه النهاية أيضا فاعتقد القدماء أن أوزوريس انتقل إلى السماء وأخذ مكانه في كوكبة أوريون (ساحو باللغة القديمة) ويُقر القرآن أن الله رفع إدريس إلى السماء (واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا* ورفعناه مكانا عليا) الآية 56 من سورة مريم. ولم تذكر التفاسير كيف رُفع، لكن إذا كان رُفع بعد الموت لما اختصه الله بتلك الآية لأن جميع الموتى تُرفع أرواحهم. ويظهر أن تأليها له قد حدث بعد اختفاءه.. تماما كما حدث مع المسيح عيسى عليه السلام بعد أن رفعه الله إليه

لقد اعتبر المصريون القدماء أن النجوم هي أصل المعرفة وموطن الآلهة والمُخلدين، فكانت الآلهة نجمية، والعبادات نجمية، والنقوش نجمية وهم أول من وضعوا الأبراج النجمية بشكلها الحالي الذي نعرفه

الأبراج النجمية…

قسم المصريين القدماء دائرة الأبراج السماوية إلى 36 مجموعة تضم البروج الستة والثلاثين التي تنتمي الى ” العشريات” وقرنوا كل برج باسم إله من آلهتهم وأعطوها سلطة فوق الأقدار

إضافة إلى الأبراج الأساسية (الحوت، الحمل، السرطان، الثور، إلخ) فقد وضعوا نظاما لخمسة وعشرين برجا نجميا كبرج التمساح و برج وحيد القرن وبرج الأسد و برج إنسان برأس صقر (حورس). وتنقسم هذه الابراج الى أبراج شمالية وأخرى جنوبية ولكن نظرا لتضاربها فان ثلاثة ابراج منها كانت دائما واضحة محددة المعالم وهي

  1. ساحو أي أوريون (على شكل أوزوريس)
  2. وسوثيس أي الشعرى أو سيروس (بقرة مستلقية وقد قرنوها بإيزيس زوجة أوزوريس)
  3. والدب الأكبر (القسم الأول من ثور)

وتوجد أشهر مجموعة نجمية في متحف اللوفر بباريس بعد أن تم فكها وسلبها منذ زمن.. وهي منقولة بكاملها من قبة معبد دندره بقنا.. أحد أجمل المعابد المصرية

أورد في تفسير القرطبي آية «وأنه هو رب الشعرى» – سورة النجم : قيل ان العرب تقول في خرافاتها أن سهيلا والشعرى كانا زوجين فانحدر سهيل فصار يمانيا فاتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة فسميت العبور – يتشابه الحدث في أن سُهيل والشعرى زوجين مثل أوزوريس وإيزيس .. والشعرى عند قدماء المصريين مقرونة بإيزيس.. ولعل القصص تناقلت بعد اندثار الحضارة المصرية وخروج العديد من مصر إلى الجزيرة العربية

نجم الشعرى…

اعتمد المصريون القدماء في البداية تقويما نيليا، أي يعتمد على نهر النيل، يبدأ مع الفيضان، ولأنهم لاحظوا أن الفيضان يقترن بظهور نجم «الشعرى»، وهو ألمع النجوم في السماء، ولذلك لقبوه «بجالب الفيضان»، وأسموه ‘نجم إيزيس’ لارتباط دموع إيزيس زوجة أوزوريس بفيضان النيل عندما حزنت عليه ولأن الفيضان يحمل معه الخير والماء والثمار وازدهار الحياة فإنهم قد قدسوه ورمزوا له برمز «بقرة مُستلقية» وعبدوها.

ونظراً للمكانة الكبيرة لنجم الشعرى اليمانية (سيروس) وقدسيته عند الشعوب القديمة جاء قول الله تعالى ليؤكد {وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى} (سورة النجم 49) ولا سجود لغيره سبحانه وتعالى. ولاحظ أيضا أنه أتبع تلك الآية في سورة النجم بقوله تعالى وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ (50)

في ظني أن الله قد قرن نجم الشعرى بعاد كإشارة قرآنية لحقيقة أنه حضارة عاد المصرية القديمة اتخذوا الشعرى كقدوس لهم.

على اليمين كوكبة الجبار و على اليسار كوكبة الكلب الأكبر

ويقع نجم الشعرى على نفس خط مجموعة أوريون في كوكبة الجبار.. وهو في الصورة اليسرى بالأزرق في كوكبة «الكلب الأكبر» أو «كلب الجبار».

الكوى النجمية…

كان من الهام أن يُثبت بوفال أن اتجاه الكوى النجمية الأربعة في الهرم الأكبر في الاتجاه الصحيح في ذلك التاريخ أي عام 10450 قبل الميلاد

إن الذي يراجع المؤلفات التي تعود إلى زمن حديث حتى أوائل التسعينات عن الأهرامات سيجد ان هذه المراجع تحدثت عن الكوى بصفتها فتحات تهوية. لكن لماذا تحتاج المومياء إلى تهوية؟ لكن سرعان ما انتشرت النظرية الجديدة حتى اصبحت موضع اقتناع كلي اليوم وعلى سبيل المثال فإن عالم الاثار “آي إدواردز” استعمل في كتابه ” أهرامات مصر” الذي يعتبر من افضل المراجع في هذا الموضوع تعبير ” الكوى النجمية”.

 

الأهرامات المكسيكية والصينية

من العجيب أيضا أن أهرامات المكسيك والصين تتبع هي الأخرى نسق حزام أوريون.. وتعود إلى نفس الحقب الزمنية أي من 10 إلى 12 ألف عام ق.م. وذلك يثير ألف وألف علامة استفهام.. إذ أن ظهور ثلاث مجموعات من المباني الحضارية عالية المستوى في نفس الوقت تعنى أن هناك اتصالا حضاريا بل وتنسيقا فد حدث بين البُلدان الثلاثة من أجل تلك المنشآت.

أهرامت المكسيك والصين تتبع هي الأخرى نسق حزام أوريون

بعكس ما هو شائع أن أول اتصال مع أمريكا اللاتينية والوسطى بدأ مع حملات كولومبس في القرن السادس عشر.

فالخلود كما ذكرنا ما زال هدفا أسمى للإنسان الذي يكره الموت ويخاف منه.. ويسعى إلى تحويل نفسه من كيان فان إلى كيان غير فان.. وعلى هذا فقد كانت الأهرامات متصلة بالنجوم.. كما حدث مع «أوزوريس».. نقل البشر من الأرض إلى مكان آخر حيث يُخلدون

نشر النظرية

لقد كان روبرت يعمل جنبا إلى جنب مع باحث الاثار الشهير «جراهام هانكوك».. حيث طلب منه هانكوك أن يقوم بصفته مهندس معماري بعمل حسابات رياضية هندسية لأهرام الجيزة وابو الهول.

غلاف كتاب لغز أوريون – روبرت بوفال

قررا نشر النظرية أولا في جامعة أوكسفورد كورقة علمية تتحدث عن عمر الأهرامات عام 1989.. ثم أتبعاه بكتاب «لغز حزام أوريون».

وقد أحدثت نظريته ضجيجا كبيرا في الأوساط العلمية والأثرية وأبرزته صحف ووكالات أنباء عالمية كمحطة سي ان ان وبي بي سي وصعد كتابه إلى تصنيف أعلى الكتب مبيعا في إنجلترا.

وقد أصابت علماء المصريات الكلاسيكيين بالصدمة والضجر.. ورفضوها بالكلية رغم قوتها.. ورغم أن أي شخصا يُمكنه إثباتها الآن بسهولة تامة.. بواسطة جوجل إيرث.. لكن ما زال الأثريون يصرون أن الأهرامات لا علاقة لها بأية نجوم.

التيار الفلكي – الجيولوجي

وبذلك يُمكننا تلخيص الرؤيا العامة في بناء الأهرام إلى تيارين اثنين.. التيار الفلكي-الجيولوجي والتيار الرسمي.

التيار الفلكي – الجيولوجي طرح وبصورة جدية، نظرية مفادها أن شعبا عريقا بنى حوالى سنة 10500 قبل الميلاد حضارة الأهرام وان هذا الشعب اختفى من التاريخ و ان هناك آثارا له هنا و هناك و أدلة جيولوجية تشير الى سبب الاختفاء المفترض الأمر الذي يكفي بجمع اطراف القصة و اعادة نسج خيوطه وأن هذه الحضارة المتقدمة كانت مزدهرة قبل العصر الجليدي الاخير أي قبل حوالي 10000 الى 15000 سنة وانها هي التي بنت أهرامات الجيزة وتمثال أبو الهول وأنها انقرضت نتيجة الزحف الجليدي(6)، وبحسب هذه النظرية فان أهرامات الجيزة ليست من صنع خوفو وسلالته وأن أبو الهول ليس من صنع خفرع بل كلاهما اقدم من ذلك بكثير.

ويعتقد أنصار هذا التيار ان هذه النظرية ربما تفسر سبب خلو أهرامات الجيزة من أية اشارة للأسرة الرابعة التي تقول المدرسة الرسمية انها بنتها، او لخلو أية مومياء لفرعون ينتمي الى هذه الأسرة الرابعة التي التصق اسمها به. فمومياء خوفو لم تكتشف، كما ان هرم خفرع كان خاليا بدوره حينما دخله بلزوني للمرة الأولى سنة 1818، وهرم منقرع، الذي افتتح للمرة الأولى في العصور الحديثة على يد الكولونيل فايس سنة 1837 لم يكن ليختلف عن سابقيه. فقد وجد فايس الناووس فارغا باستثناء بعض العظام التي لدى تحليلها تبين انها تعود الى الحقبة المسيحية أي 2500 سنة بعد بناء الهرم.

علماء المصريات أشهرهم دكتور زاهي حواس يقولون إن المومياوات نهبت وهذا يفسر سبب عدم العثور عليها، ولكن خلو هذه الصروح من أية نقوش كتابية تشير الى فراعنة الأسرة الرابعة او غيرها امر ملفت للنظر. وقد وردت هذه الآراء عند هانكوك في كتابه الأول ” بصمات الآلهة “(7) ولكنه لم يرد إلا تلميحا في كتابه الثاني والمشترك مع بوفال في كتاب “حارس عهد التكوين”(8) هذه النظرية تعطي، بالنسبة للمؤمنين بها، تفسيرا مقنعا لبعض الظواهر الملفتة مثل: الإعجاز الهندسي في مصر القديمة في فترة تلي مباشرة العصر الحجري (حسب الرواية الرسمية)، وجود مراكب بحرية كبرى في الصحراء المصرية، عوامل التعرية الطبيعية والمائية الظاهرة على ابو الهول رغم انه ظل في معظمه تحت الرمال طوال القسم الاكبر من فترة الخمسة آلاف سنة الاخيرة. مما يدل على انه ُنحت في فترة كان فيها مناخ مصر رطبا وهو ما ميز الاراضي المصرية قبل حوالى عشر الاف سنة وقد فصلنا ذلك في مقال (أبو الهول .. تمثال من الحضارة المفقودة) ، وجود آثار تآكل مائي على بعض حجارة المعبد المجاور لهرم خفرع. اخيرا وليس آخرا وجود تشابه كبير بين الحضارتين المصرية والمكسيكية والبيروفية القديمة. فإضافة الى التشابه بين مصر وهذين البلدين الاميركيين الجنوبيين على صعيد الأهرامات، كشكل البناء، فان التشابه يتعدى ذلك الى الرموز والمعاني وراء هذه الصروح. اول هذه الرموز ان ثلاثة من أهرامات منطقة تيوتيهواكان المكسيكية هي رئيسية مثل ما هو عليه الأمر في الجيزة واثنان من الأهرامات الثلاثة في كلا المكانين متوازيان مع خط وهمي مستقيم يمر وسطهما والثالث في كل من المكانين منحرف وخارج قليلا إلى اليسار. ثم فإن كلا الأهرامات في البلدين تعتبران استنادا لمتون ونقوش قديمة “أماكن يتحول فيها الرجال الى آلهة”(9)

التيار الرسمي

يؤكد أصحاب ذلك التيار أن مصريو عصر الأسرات وحدهم هم من بنوا هذه الصروح. وأن ما تتسم به من اعجاز وألغاز إنما يدل على عبقرية شعب وحضارة. كما أن أبرز دعاة هذا التيار هو الدكتور زاهي حواس مدير آثار الجيزة الذي اكتشف مقابر عمال الأهرامات الذين قاموا ببناء أهرامات الجيزة.

ويضيف هذا الفريق أن كل الشكوك في هذا الأمر مدفوعة باعتبارات سياسية ومواقف تشككية مستمدة من دوافع عنصرية، وأنها محاولات عنصرية لسرقة جهود الشعب المصري على غرار ما تمتلئ به الكتب من ادبيات تتعلق بجذور الحضارة مسروقة لصالح شعوب أخرى، ضمن اطار عمليات منظمة لسرقة التاريخ. (10)

كما أنهم يرفضون بالكلية أي علاقة بين الأهرام والنجوم أو بحضارات ما قبل عصر الأسرات (11)

لماذا يكره الأثريون نظرية روبرت بوفال؟

يكره الأثريون الرسميون اكتشاف روبرت بوفال لسببين:

أولا أن المعروف ان علماء المصريات متفقون على ان الأهرامات هي جزء من عقيدة دينية تتصل بعبادة الشمس، خاصة وأن في شكلها ما يوحي بذلك. فان اضلعها تمثل أشعة الشمس وهي تخترق السحب وتصب اشعتها على الارض. كما و ان الديانة المصرية ركزت على الإله “رع” إله الشمس وأن الأهرامات، تبعا لذلك، أشبه بمنصات إقلاع ترشد الفرعون في طريقه الى الشمس للالتحاق بـ “رع”. والأهرامات مبنية جميعها غرب وادي النيل، أي جهة غروب الشمس حيث تقع مدينة الموتى.. إذا فكل شيء يوحي بارتباط الأهرامات وطقوسها بالشمس.. أما نظرية بوفال فإنها تُثبت إثباتا جازما ارتباط الأهرامات بالنجوم وأن من بناة الأهرامات أصحاب عقيدة نجمية لا شمسية. وبالتالي فإن ذلك يُضعف في نظرية أن ملوك الأسرات هم من بناة الأهرام

وثانيا أن علماء المصريات متفقون أن الأهرامات بُنيت في عهد الأسرات الأولى أي ما يقرب من 2500 ق.م في حين أن نظرية بوفال تعود بالأهرام إلى عصور سحيقة تقترب من 10 آلاف عام ق.م

وبذلك فإن روبرت بوفال بنظريته يهدم تقريبا علم المصريات الذي كُتب في آخر 200 سنة.. وآلاف المراجع والنشرات والوثائق والتسجيلات والأبحاث التي ربطت بين الأهرام والشمس ونظريات نُظم البناء في مصر الفرعونية كلها سيتم محوها علاوة على علامات الاستفهام التي ستُثار حول الآثار الأخرى التي يُظن أن لها علاقة بالشمس مثل المسلات ومراكب الشمس والمعابد.

رغم الاكتشاف المُذهل لبوفال فإنه لم ينل درجة الدكتوراه في كشفه ذلك.. وتم تجاهله بل ورفض مناقشة نظريته حتى من قبل الآثاريين المتزمتين الرافضين لأي نظرية جديدة حتى لو كانت بأدلة دامغة.. وللدكتور زاهي حواس تسجيلين شهيرين في أحدهما يسخر من نظرية روبرت بوفال، وفي الثانية يتهمه باللصوصية (12)..

لقد راهن علماء المصريات أن نظرية روبرت ستذهب أدراج الرياح في غضون شهرين لا أكثر، مثلها مثل نظريات أُخرى قبلها. لكن يبدو أن روبرت كان عنيدا إلى درجة أنه لم يتزحزح عن نظريته، بل وأتبع كتابه هذا عدة كتب في محاور مشابهة، وقام بعمل عشرات اللقاءات التلفزيونية وإلقاء المحاضرات في مناطق مختلفة من العالم حول الأهرامات وعلاقتها بأوريون وقد تبناها الآلاف لوضوحها ومنطقتيها، ورغم ذلك فإن التيار الرسمي ما زال في واد آخر.

منقول

القلم الحديدي 20 / 11 / 2020

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى