سكون الذات
في المجال الروحاني دائماً ما أسمع بأن كل شيء يظهر كامل كما هو لا يشوبه شائبة، وأن ما يظهر من الله، الكون، الكيان الواحد، واياً كان الأسم الذي يحب الناس إستخدامه، يظهر مثالي تماماً، إن كان هذا صحيحاً إذن لم تكون الأحلام والكوابيس، الأزدواجية بمعني اصح في كل شئ؟ بينما تسميه كابوس اسميه أنا “حكمة الله”
إن لم يظهر الكمال بأنه ناقص فلن تعرف ما هو الكمال أبداً، إن لم تجرب شعور الحزن لن تقدر معني السعادة، إن لم يكن لديك شعور بما هو سيئ فلن تعرف شعور ما هو جيد، إن لم يكن لديك شعور بأنك شخص لن تعرف كيف تكون في علاقة مع اي كيان آخر، إذا لم يكن لديك شعور بذاتك لن يكون لديك شعور بالآخرين، إن لم يظهر الكمال بأكثر من شكل فلن تعرفه إطلاقاً.
بالطبع يوجد جميع أنواع النكهات في هذه الحياة وبالرغم من ذلك تذكر من أنت و ما وراء حدود شخصيتك .هل تعلم من أنت حقاً؟ يبدو أننا نسينا طبيعتنا الحقيقة وتقبلنا المفهوم الخاطئ عن تلك الذات التي تجلب لنا الآلم، وهذا المفهوم الخاطئ أيضاً أعطانا الشعور بالإنفراد والخصوصية وفخر الإبتكار الخاص ولهذا يبدو أنه يحجب رؤيتنا البديهية لتناغمنا مع فطرتنا وكمالنا، ونخوض بسبب ذلك لعبة الوجود ونستخدم كل قوتنا كي نكتشف حقيقتنا في تجلينا كبشر هنا يستمر الوعي بالأبتكار من خلالنا.
إن البشر ليسوا أصحاب أو متحكمين في الوعي نحن صَوَّر الوعي ولكننا لسنا مجرد صور على شكل شخصيات في الوجود بل نحن الوجود نفسه، ونحن أيضاً الشاهدين عليه ولكن أتصالنا بعُمق مع هويتنا الشخصية يجعل اللعبة تبدو أثقل وأقل قيمة وأكثر تشويشاً، هذا الثقل صورة من صور الوعي أيضاً.
لا يمكن للكمال أن يكون غير كامل الطريقة الوحيدة التي يصبح فيها غير كامل هو في الحلم فقط، ولعل ذلك هو السبب الذي يجعلنا نطلق مصطلح “اليقظة” لأنه يعني الأستيقاظ من حلم الأنا الزائفة والعودة إلي ذاتنا الحقيقة وحين ذلك نبدأ في تقدير عظمة هذه اللعبة.
عندما تستيقظ سترى أن كل ذلك كان حلم و أنك كنت دائماً هذا الكمال، و”الكوابيس” هي جزء من ذلك الحلم بكل بساطة صنع بواسطة الأفكار الأنانية مثل: ” أنا أريد هذا، ولا أريد هذا … أنا … أنا … أنا … هذا ملكي” في بعض الأحيان نفكر ونقول: إن كنت أنا المتحكم والأمر يعود إلي لجعلت العالم مكانًا أفضل، ولكن إن كان لك الخيار … الخيار الحر في صنع ما تريد لن تستطيع صنع شئ أكثر مثالية مما تعطيه الحياة الآن، إذا كنت تستطيع الاختيار، فستختار أن تعيش حياة المفعمة بالرفاهية والرخاء وحينها ولن تنمو أو تتطور، لان الحقيقة تكمن بإن الانسان بحاجة الى القبول والتقبل للآلم قبل ان يتمكن من تجاوزه ..
في بعض الأحيان نحن نتطور حينما نمر بالتحديات و الابتلاءات والألم، في النهاية نحن نسعي للحرية إلي الحقيقة وليس من أجل تجربة ممتعة زائِلة بالرغم من ذلك ستجد أن حياتك الآن ممتلئة بالنعم التي لا تلسمها، هناك بعض الأشخاص إن كانوا يتملكون قدمك أو يدك أو صحتك سيكونون في الحالة القصوي من الأمتنان ولكن بالرغم أنهم لا يملكون تلك الأشياء إلا أنهم مازالوا في هذه الحالة القصوى من الامتنان وهذا الامتنان ينعكس عليهم بحالة من الفرح والسلام الداخلي، في بعض الأحيان يكون هؤلاء الأشخاص عندهم أقل بكثير من أسوأ ما لديك ولكنهم يظهرون أمتنانًا أكثر منك، إذا كنت تريد الخروج من هذا الكابوس، فابدأ بالقول ممتن، ابحث عن أشياء لتكون ممتن من أجلها ستجد أشياء كثيرة تكون ممتن لها و ستجدها أكثر بكثير من تلك الأشياء التي تكون ناقم عليها.
كل مظاهر تلك الحياة مازالت تمثل جنة عدن ولكننا لا نري ذلك بسبب أننا ننظر إليها بأعين مصْقُولة بالنقص والجهل والأنانية عندما ننظر بعيون الذات يصبح كل شيء روحياً ، عندما يختبر المرء الحقيقة، لا يتم استبدال هذا العالم بعالم آخر، هو نفسه ولكن العيون تغيرت من عيون الشخص إلى عيون الوجود والحياة تصبح كاملة مرة أخرى وترى الكمال حتى في العيوب الواضحة للحياة.
هناك مقولة تقول: “أنا لا أرى العالم كما هو بل أنا ارى العالم كما ارى نفسي“
كما ترى وتصنف نفسك ترى الحياة حسب تلك المُعتقدات ولهذا يوجد كوكب أرض واحد ولكن يوجد ملايين العوالم، وكل شخص يرى عالم بحسب هويته، رغبته، تقاليد بيئته وتعليمه، كل هذا يجعل العالم فريداً لكل منا، ولهذا كل شخص له تفضيلاته ومفضلاته ورغباته وتحيزاته المنفردة.
وحده الشخص الذي تخلص عقله من الأنا هو من يستطيع رؤية هذا العالم كما هو حقًا … يستطيع رؤية كماله، وايصال ذاته للسكون الذي فيه تسكين للأفكار وتهدئة الجسم والتحكم بمتطلباته، فمن يقدر على ذلك سيختبر هدوءاً منعشاً ومن يتعمق بالسكون أكثر فأكثر سيكتشف مملكة الرب في داخله.
هذا الجسد البشري فاني ولكن الخلود يسكن بداخله بعضاً من الوقت و خلال هذا الوقت أكتشف من أنت حقًا وكن سعيداً، فالإزدهار الحقيقي هو الامتنان للحظة الراهنة و لكمال الحياة .