َالرجل الفيتروفي…
لوحة رسمها ليوناردو دافينشي بالحبر الأسود تمثل رجلين عاريين في وضع متراكب أحدهم داخل دائرة والآخر داخل مربع، عرضها 25.5 سم وارتفاعها 34.6 سم.
يعد الرسم من الرسومات الأكثر شهرة في العالم وسمي بالرجل الفيتروفي نسبة إلى المعماري الروماني الشهير ماركوس فيتروفيوس من القرن الأول قبل الميلاد الذي كان مهندساً معمارياً ومدنياً ومسؤولاً عن آلات الحرب عند يوليوس قيصر وكتب قواعد الهندسة المعمارية بعشرة كتب سُمّيت دي أركيتيتورا وهي واحدة من مجموعات الكتب القليلة من هذا النوع التي بقيت حتى عصر النهضة
جسم الإنسان…
حيث نجد في المجلد الثالث من هذه السلسلة القسم الخاص بنسب بناء المعابد وعلاقتها بجسم الانسان و ذكر خلال هذا القسم أن هذه المباني يجب أن تكون مبنية على نسب جسم الإنسان لأن جسم الإنسان هو نموذج الكمال وذلك بطريقة classical order التي تعد أحد أقدم الطرق المستخدمة فى البناء وتتميز بوجود نسب ثابتة بين أركان المباني المستخدم فيها هذه الطريقة ، فيتروفيوس بالإضافة إلى اشتغاله بالهندسةالمعمارية كان مهتما بالفلسفة وبالأمور الروحانيةوكان يتبنى فكرة تقول بالتكامل بين شكل الجسد الإنساني والبنى المعمارية كما كان ميالا إلى استخدام مصطلحات معمارية لوصف جسم الإنسان مؤكدا على أن العمارة الجيدة ليست في واقع الأمر سوى استمرار لقوانين الطبيعة ولطالما اعتبر جسم الإنسان نموذجاً للكمال وأن شكل أطرافه يتفق مع الأشكال الهندسية الكاملة أي الدائرة والمربّع ، فلسفة فيتروفيوس وأفكاره الهندسية لاقت رواجاً واسعاً خلال عصر النهضة الإيطالي وقد طُبّقت مبادئه وأفكاره في تصميم الكنائس التي رُعي في بنائها الأشكال الدائرية باعتبار أن الدائرة مرتبطة بالقداسة وباكتمال الخَلق واحكامه وهو ما كان يقول به فيتروفيوس وغيره من فلاسفة الرومان القدماء و حدد أبعاد جسد الإنسان المثالي بالتفصيل و بيّن أن جسم الإنسان بامتداد الذراعين والساقين يتناسب مع الأشكال الهندسية المثالية كالدائرة و المربع فاعتبر فيتروفيوس أن السرة هي مركز الإنسان بالتالي اذا وضعنا الفرجار في السرة سترسم الدائرة حول الجسم المثالي كذلك اعتبر فيتروفيوس ان طول الإنسان المثالي يساوي طول الزراعين وهما ممدودتين بحيث يمكن احاطة الإنسان المثالي بمربع
عصر النهضة …
استحوذت الفكرة التي خطها فيتروفيوس في كتابه على خيال فناني عصر النهضة و حاول العديد منهم توضيح هذه العلاقة الإلهية ولكن بنجاح متفاوت فقام في البداية سيزاريانو في كتابه Cosmo Vitruvius برسم توضيحي للرجل الفيتروفي عام 1521 لكنه كان رسماً فاشلاً وأحد أكثر الرسومات الغير متناسبة من أعمال عصر النهضة
لذلك كان تمثيل هذا الرسم يحتاج لعبقرية غير عاديةو استثنائية تتمثل بعبقرية ليوناردو دافنشي لحل هذه المشكلة ، كان ليونادرو يؤمن بوجود تجانس وتناسب ما بين جسد الإنسان والكون طبقاً للنص المصاحب للصورة الذي كتبه دافنشي بطريقة المرآة أي لا يُقرأ النص إلا بوضعه أمام المرأة
فبدأ ليوناردو برسم رجل بشكل هندسي متناسب تماماً مع قياسات فيتروفيوس ثم رسم دائرة و مربع تكون الدائرة والمربع متماسان من جهة في مكان واحد فقط من ناحية القاعدة .
قد يظن البعض انه رسم بسيط يمكن لأي شخص القيام به لكن في الحقيقة هذا الرسم يطرح أهم القضايا الهندسية الشائكة وهو قضية تربيع الدائرة أي كيف نحول دائرة إلى مربع بذات المساحة .
عملياً القضية مستحيلة كون العدد π هو عدد غير عادي أي غير نسبي ولم يتم تحديد قيمته حتى الأن إلا بشكل تقريبي
نسب المعماري …
حاول ليوناردو دافنشي حل مشكلة تربيع الدائرة هذه بإستخدام نسب المعماري فيتروفيوس للانسان الكامل الذي يمكن إحاطته بدائرة و مربع فقام برسم دائرة تحيط بالانسان المثالي مركزها سرة الإنسان حيث بين في الملاحظة الأولى المكتوبة أعلى الرسم أن الإنسان حسب فيتروفيوس أذا فتح ساقيه بما يكفي لخفض طوله بمقدار ربع طول جسمه ورفع يديه بما يكفي ليكون اعلى الرأس والذراعين على خط واحد سيمكن رسمه في دائرة مركزها سرته والمثلث الواصل بين السرة والساقين مثلث متساوي الأضلاع أما بالنسبة للمربع فترك الرجل واقفاً بكامل طوله فاتحاً ذراعيه اللتان تساويان طول الجسم والذي يشكل طول ضلع المربع الذي جعله مماساً للدائرة من جهة واحدة
فكانت الدائرة هي رمز الروح و المربع هو تمثيل العالم المادي والتماس بين المربع والدائرة في الأسفل يقود إلى أننا يمكن الإنتقال بين العالمين عبر هذا التماس ، فكان الرسم من أجمل ما تم تنفيذه تعبيرا عن لقاء العلم بالفن .
الجدير بالذكر أن ليوناردو دافنشي لم يكن الرسّام الوحيد الذي حاول تصوير العلاقة بين الإنسان والكون فقد جاء بعده فنّانون حاولوا تقليد هذه اللوحة والنسج على منوالها ومن أشهرهم الرسام وليام بليك والنحّات أندرو ليستر .
القلم الحديدي
11 / 11 / 2020
