علاقة النجمة السداسية بالماسونية
في الرموز، إن الماسونية تعتمد على العديد من الرموز لكي ترشد، تحفز وتغذي التفكير سامحةً التوصل إلى معرفة أفضل للذات.
إن الرموز تشكل، بطريقة أفضل من النصوص، مراجع مجازية أو خيالية، ونوعاً من الأبجدية، ووسائط مساعدة للذاكرة قادرة على التذكير واسترداد الأفكار، والمفاهيم. هذا الجهاز الرمزي، بالارتكاز على عمل تفسيري، يمكن الفرد من اكتشاف واستكشاف أفكار وحقائق بقيت حتى الآن غير معلومة، فلنقل مجهولة، من الصعب التعبير عنها أو الإشارة إليها بطريقة أخرى.
لنأخذ مثلاً، النجم السداسي الذي أصبح مؤخراً مرتبطاً بإسرائيل والصهيونية لطالما كان الرمز الباطني والروحي مثل المثلث أو الدائرة أو النقطة في دائرة. في واقع الأمر، فإن العديد من المساجد الإسلامية القديمة التي يعود تاريخها إلى 17 و 18 قرناً والتي ما زالت موجودة اليوم في سوريا ومصر لديها هذا الرمز في المساجد. في الإسلام، يعرف باسم خاتم سليمان، الذي يُعتقد أنه الختم على خاتم الملك سليمان.
يمثل المثلثان المتداخلان اللذان يمثلان ما أعلى المتشابه بما أسفل، أو التفاعل بين الماء والنار، العالم المتناهي الكبر مع العالم المتناهي الصغر، أو العالم الروحي مع العالم المادي. إنه تذكير للبعض بالجنة والجحيم، ومن واجبنا أن نعيش من خلال السفر إلى المسار الخفي.
هذا الرمز لم يكن أبداً رمزاً للصهيونية. على الرغم من أن أول مرة تم ذكر كلمة نجمة داوود كان في القرن الثاني عشر إلا أنه لم تصف أبداً كيف تبدو أو شكلها. حتى عام 1897 عندما قررت الحركة الصهيونية جعلها رمزاً رسمياً. هذا الرمز كان يستخدم من قبل المسلمين والمسيحيين قبل أن يصبح رمزاً صهيونياً. المعتقد الذي يروي أحمد نعيم في تقريره، أنه في 28 أكتوبر عام 1948، حينما اختار المجلس الوزاري الإسرائيلي العلم الصهيوني الذي تتوسطه نجمة داود علماً رسمياً لإسرائيل.
كان العالم في الكبالا (مذهب صوفي يهودي)، البروفيسور غيرشون شوليم يجلس في مكتبه في الجامعة العبرية، وانفجر بالضحك. كان شوليم متنبهاً للغاية لأهمية الرموز الوطنية في تشكيل وجدان الأمة، وحمل إرث تاريخي وثقافي ديني عميق. لكنه تساءل: نجمة داود؟ ففي نهاية المطاف، ظهر هذا الرمز في وقت متأخر نسبياً على مسرح التاريخ اليهودي، وبالتأكيد هو لا ينطوي على أية علاقة بداود الملك، أو ببار كوخبا أو بـ “هولي آري”. وبعد الضحك الهستيري، تبدلت ملامح شوليم إلى الغضب، وبدأ في كتابة بحث تحت عنوان “نجمة داود تاريخ الرمز”.
فند شوليم في مؤلفه فكرة الجذور القديمة لنجمة داود في التراث اليهودي. وبالمناسبة، لا ينبغي أن تفاجئ النتائج التي توصل إليها اليهود وحدهم بل أيضاً مكتب المقاطعة العربية ومنظمة الصليب الأحمر.
أثبت شوليم أن شعار نجمة داود كان منتشراً جداً بين الشعوب القديمة، واعتبروه تميمة سحرية لطرد الأشباح والأرواح الشريرة. وصحيح أن الشعار ظهر في العديد من الحفريات اليهودية التي تنتمي إلى عصور قديمة، وكان في الغالب يستخدم للتزيين، لكن أيضاً، فإن الصليب المعقوف هو الآخر، على سبيل المثال، كان يستخدم للتزيين، ولم يفكر أحد في تحويله إلى رمز وطني.
حتى العصور الوسيطة، لا يوجد أي ذِكر للنجمة السداسية، سواء كان ذلك في الكنس أو في المناسك الدينية، أو حتى على شواهد القبور. وبشكل عام، يكتب شوليم أن “الرسومات والرموز السحرية كانت تنتقل من شعب إلى آخر… وجالت ذهاباً وإياباً المرة تلو الأخرى”.
وبالطبع، فإن ظهور نجمة داود كرمز لليهودية بدأ في أعقاب ظهور مذهب الكبالا الصوفي، المعروف بسر الأسرار والذي يتضمن قبولاً عملياً للسحر. وكان هناك رسم شائع يحمل دلالات سحرية هو “ختم سليمان“، ويرتبط بأسطورة الملك سليمان الملك وخاتمه الذي كان يحمل اسم داود ونجمته. وكان الختم يعتبر وسيلة فعالة للقيام بمعجزات منها طرد القوى الشريرة. ويبدو أن مكتب المقاطعة العربية لم يكن يستحسن سماع ذلك، إلا أنه وفقاً لشوليم، فإن استخدام اليهود لنجمة داود انتقل إليهم من العرب.
وبدأ استخدام نجمة داود يتسارع في أوساط اليهود في براغ (بحسب إحدى الروايات، جرى ذلك في القرن الرابع عشر حين سمح الإمبراطور لليهود باختيار علمهم الخاص فاختاروا نجمة داود) وانتشر في القرنين السابع عشر والثامن عشر في مورافيا وبوهيميا. ومن الصعب أن نحدد تاريخياً إذا ما كان اليهود اختاروا الرمز بمحض إرادتهم أو إذا ما كان المسيحيون قد
أكرهوهم على ذلك، ولكن هذه الأيقونة صارت شعبية في القرنين الثامن والتاسع عشر.
وكانت الحركة الصهيونية الجهة التي أعطت نجمة داود تاج الرمز الوطني، حينما بحثت عن أيقونة تكون من ناحية مألوفة ومن ناحية أخرى محملة بإرث ديني عال.
ولاحقاً، ومن سخرية القدر، غير هتلر والنازيين دلالة النجمة السداسية من رمز للحماية والأمن إلى رمز للنجاسة والعار والموت. وبعد أن كانت النجمة السداسية الصفراء مثبتة على صدور وأذرعة الجنود والضباط النازيين، استبدلوها بشعار الصليب المعقوف.
مقال رائع جدا