تاريخ الماسونية

بدء الحضارة

الحضارة

الحضارة انطلقت في الألفين السابع والسادس قبل التاريخ الجليء. وازدهرت مع إطلالة الحرف، وسيلة التعبير، ومع بزوغ فجر الدين، احدى ظواهر التراث الحضاري القديم. فالتيار الحضاري الأول، انطلق من بلاد ما بين النهرين، ليلقي ظلالاً على الهلال الخصب وبعصف في بيلوس، ويهدأ في  مصر.

والتيار الآخر اجتاح شواطئ المتوسط إلى كریت ومنها استقر في اليونان بدء الحضارة إذن، في بلاد ما بين النهرين، في وادي دجلة والفرات، حيث وجد الإنسان وسائل العيش وسبل الحياة، فاستقر وتحضر وحول إمكاناته الفكرية والجسدية إلى قضية استمراره وتطوره وبقائه.

فكر في الأرض الخيرة المعطاء، زرع التربة الخصبة، فأنبتت له الأرز والقصب. جعل من الأرز غذاءه وحاك من قشر القصب رداءه. وكانت الكرمة، وكان الخمر شرابه وعزاءه.

بدأ البناء

نشأت عنده فكرة ملكية الأرض بعد أن كانت مشاعاً. بدأ البناء يعلو وينتشر، وكان أول متحد بشري. نادرة غريبة استأثرت باهتمامه، وهي تلك القوة الخفية الكامنة في سنبلة القمح والتي أطلق عليها اسم القدرة أو الله… لقد فكر بان حصاد القمح يحتم قتل الله وموته، فخاف من الانتقام. وخوفه ولد عنده فكرة التضحية والفداء.

كانت الضحية المفتدية الحصادين، تتقدم وبيدها المنجل، تقطع السنابل وتأكل حبات القمح (جسد الله) وتشرب جرعة خمر (دم الله) وتنتظر حكم الله، تمر الثواني والساعات والضحية لا تموت. فشعر الإنسان مع الذبيحة، بالرحمة والمحبة، اثنتان من صفات الله، منذ آلاف السنين قبل التاريخ. وشيد الاهراء. كان الهري أول معبد، ولكن بلا مراسم. استعمل لخزن القمح، وأقيم على مدخل تمثال يرمز إلى الله ، حارس الغلات.

وهذا الهري الذي هو مرادف للعلية، يذكرنا بالسيد المسيح الذي كان يجمع تلاميذه كحبات القمح في العلية ويلقنهم المعرفة والأسرار، ترى هل كانت العلية رمزاً لمحفل اليوم؟

البنانية والتاريخ

في الوقت الذي لاحظ فيه الإنسان أن الهري – المعبد، لم يعد يليق بالإله، بدأ البناؤون يشيدون المعابد والهياكل، تمهيدا للقلاع والكنائس والقصور، واحتكروا فن البناء واسراره. وكان الحجر الهش في أساس البناء، والحجر المصقول والأعمدة والقناطر والقباب والأساسات، كلها تمثل مراحل الانتماء، وهذا يؤكد اعتقاداً بان البنائية كانت في الأصل عملية ورمزية معاً.

ظل البناؤون حتى بدء القرن السادس عشر محافظين على جميع التقاليد والطقوس والرموز التي كانت وسيلة تعارف وألفة بين الإخوان. وظل هذا شان البنائية، حتى أنتمي إليها العلماء والأدباء وأصحاب النفوذ والمال ونخبة من العظماء، فسميت حينئذ جمعية البنائين الأحرار القدماء والمقبولين، ووضع لها أندرسون، عام 1717، دستورها المعروف الذي تعمل به اليوم معظم محافل العالم .

أما المؤرخون والذين وضعوا دراساتهم، أبنائية كانت أم عامة، فلم يكونوا منزهين ولا اوفياء لقدسية التاريخ . لقد تأثروا بعوامل عدة، سياسية ودينية وخلقية، فجاءت التواریخ معظمها مسخاً وتشويها للحقائق والأحداث.

معرفة التاريخ…

والطالب اليوم، لا يدرس التاريخ، إنما يدرس وجهة نظر مدرس التاريخ وكاتبه، وما محاولتنا هذه، الا لتصحيح ما علق بذهن البشرية وما تعلمته من مساوي، وأكاذيب وافتراءات بحق البنائية والبنائين. غاية محاولتنا هي بعث ما انطوى من هذا التاريخ، ونشر بعض ما هو مغلق في علم الآثار وفي خزائن المتاحف.

فالعودة إلى الماضي، والرجوع إلى الأصل، واجب محتم لإحاطة بالإطار الزمني والمكاني، ومعرفة الحقائق المجردة. فالذين كتبوا في البنائية، أمثال أندرسون ورامي ولالاند ودیزاغليه والعديد العديد سواهم، كالذين حملوا عليها لجهلهم حقيقة مقصدها، خلقوا حولها هالات العظمة الزائلة والأساطير والخرافات، فأهملوا جوهرها، وشوهوا معالمها وغاياتها. وقد يكون السبب، في أن العصر الأرستقراطية والإقطاع، كان يستوجب اعتبار أصول البنائية وتاريخها ونشاتها على هذا النحو، لتتمكن من استقطاب النبلاء والأشراف والعظماء، واستجلاب أصحاب النفوذ والثروات في ذلك الحين .

عوامل الزمن…

وحتى في عصرنا هذا، لا يزال المؤرخون يكتبون في حقل البنائية وفي تأريخها، متأثرين بعوامل خارجية وداخلية، مما يجعل مهمة الباحث في جذور البنائية وأصول التاريخ بشكل عام، مهمة صعبة وشاقة وغير مضمونة الجوانب. وكذلك أصبحت مهمة المدرسين، فالمدرسون يفسرون التواریخ بحسب أهوائهم ونزعاتهم عوضاً عن تلقين الوقائع والحقائق، واليك بمثل فاضح عن كتابة التاريخ الرسمي وشبه الرسمي: نشرت مجلة “دریدرز دایجست” منذ حين، دراسة عنوانها: “الأطلس العالمي الكبير اشتركت في وضعها كبريات المدارس التاريخية والأكاديات والدوائر الرسمية، فضلاً عن منظمة الأونسكو، وقد جاء فيها ما يلي نصه حرفياً “استغرقت العصور الباليوليتبية (العصور الحجرية القديمة) ثمانية وعشرون ألف عام، من 3500 إلى 8000 قبل الميلاد. وتلاها العصر الميزوليتي ، فالعصر النيوليتي (عصر الحجر المصقول) فصنعت الفؤوس بالحجر المنحوت … وفي أوروبا الغريبة يرقی عصر النحاس إلى 2000 سنة، وعصر البرونز إلى 2000 سنة. أما صناعة الحديد ، فقد ولدت عند الحثيين حوالي العام 1500 ق.م.).

هذا يعني أن واضعي الكتب المقدسة الهندية المعروفة باسم “فیدا” ومبتكري السنسكريتي، وبناة هياكل وادي النيل، ومبدعي الحضارة السومرية الباذخة، وأصحاب حضارة المكسيك ومشيدي أهرامها، وبناة “باب الشمس”، في بوليفيا، كانوا يجهلون الحديد والبرونز والنحاس فنحتوا الحجارة وصقلوها بمطارق الخشب وفؤوس الظران، فاستطاعوا تشييد الأقصر، والكرنك، بالأدوات البدائية التي لا تصلح لانتزاع الحجر من  المقلع…

طمس الحضارة

أما الأدوات البرونزية والنحاسية والذهبية التي تكشفت عنها الحفريات في العراق، واوغاريت وشمال أوروبا، وتبين أنها ترقى إلى الكنعانيين، أي إلى أكثر من عشرة آلاف سنة، فصنعها أناس تصر الصهيونية ويصر مأجوروها من المؤرخين على طمس تراثهم الحضاري العريق.

لم يشأ أحد أن يعاكس التيار خوفاً من أن يجرفه التيار أما نحن، فسنحاول أن نعيد النور إلى مصدر النور، والحق إلى أصحاب الحق، وأن نخرج الحقائق من بين الأتربة والأنقاض التي تراكمت عليها عبر الأجيال، وأن نقتل التنين، حارس المقابر، مقابر تاريخ هذه الحركة وهذا الشعب وهذه الأمة، غير حافلين بالصعاب، استجابة منا لصوت الوجدان وتلبية لنداء الأمانة.

إننا نرفض التواريخ السياسية والدينية التي كتبت بسم أعدائنا وبقوة قادر على جعل التاريخ مرآة لأهوائه ورغباته وأفكاره. وإن تكن محاولتنا معاكسة للتيار. وثمة ناحية مهمة في تاريخ البنائية هي ما أهملته أقلام المؤرخين والكتاب، عن جهل أو عن تهاون، أو عن قصد وتعمد.

فإذا ما طالعت مثلا کتاب “هيكل سليمان”، أو “وطن اليهود القومي” أذهلتك محتوياته أن من ناحية السيطرة اليهودية على البنائية وعلى العالم ومقدراته ورجالاته ، أو من ناحية تفسير الرموز وشرح البنائية.

تناقضات وشواهد

الدهشة الكبرى التي تعتريك في فصل مصطفى كمال وكیف كان صنيعة اليهود – الماسون، وفي فصل هتلر و کيف أخطأ في محاربته اليهود، فجاء عمله هذا تقوية لهم وخدمة لقضيتهم. وفي هذا الكتاب تناقضات غريبة، ومغالطات فادحة وجهل لحقائق الأمور، رغم كون المؤلف من أقطاب الماسون، ومرد ذلك إلى كونه گسواه انتمى إلى الماسونية المتهودة، وتعلم الكتاب نفسه الذي تعلمه سواه، فكان من جملة المتجنين الذين لم يروا وجه البنائية الصحيحة.

وقد سبقه العديد من الكتبة، وجاء بعده من حارب البنائية وحاول تحقيرها، من الأب لامانس إلى جرجي زيدان، إلى بعض المجلات والصحف، هذا على الصعيد العربي واللغة العربية، أما على الصعيد العالمي واللغات الأجنبية فالكتب لا تحصى ولا تعد، والكتاب لا يقعون تحت حصر. وما شنت هذه الحرب الشعواء على البنائية إلا لأن مهاجميها نظروا إليها منظار قصير المدى . نظروا إليها ما أرادتهم الصهيونية أن ينظروا، يدرکوا أصلها الكنعاني، أو تجاهلوا الأهداف وأهملوا النظرة الشاملة إلى الحياة والكون والفن التي حملها البناؤون الكنعانيون ومدنوا بها الشعوب ورفعوا الأمم، وحرروا العقل البشري من الهمجية والتخلف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى